أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: “فوبيا الحرب”

تشهد منصات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة موجة متصاعدة من المنشورات التي تتحدث عن اقتراب عدوان إسرائيلي كبير على لبنان، وان الكثير من سكان الجنوب والضاحية يفتشون عن منازل للإيجار في مناطق مختلفة وبعيدة، ما أثار حالة من القلق لدى المواطنين.
بالرغم أن الوضع الأمني في جنوب لبنان يبقى هشًّا وقابلاً للاشتعال في أي لحظة، فإن تسويق سيناريو “الحرب الشاملة” من دون وجود معطيات حسية يعكس نمطًا بات مألوفًا في لبنان، حيث تختلط التحذيرات الأمنية بالمبالغات غير المسنودة، لتنتج حالة من البلبلة الجماعية، قد تكون أخطر من أي تصعيد عسكري محتمل.
هنا من المهم الإشارة إلى أن التلويح بالحرب لم يكن يومًا جديدًا في المعادلة اللبنانية – الإسرائيلية، خصوصًا في ظل التصعيد المستمر منذ اندلاع الحرب في غزة، وما تبعها من حرب على لبنان. غير أن تحويل الترقب المشروع إلى فوبيا جماعية من خلال تدوينات غامضة ومقاطع صوتية لا تُظهر صاحبها، يفتح الباب أمام تساؤلات حول أهداف هذا التهويل: هل هي محاولة لتوجيه الرأي العام؟ أم مجرد سلوك عشوائي مدفوع بالخوف والتضليل؟
اللافت في الموضوع أن هذا النوع من الشائعات غالباً ما يتزامن مع محطات سياسية دقيقة، أو تحركات دبلوماسية إقليمية، ما يعزز فرضية استخدام الشائعات كأداة ضغط أو تشويش، سواء من أطراف داخلية أو خارجية.
كما أن هذه المعلومات غير الموثقة تخلق حالة من الضغط النفسي، لا سيما في بيئة تعاني أصلًا من أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة.
فعلى المستوى التحليلي للوضع الحالي، لا يمكن إنكار أن هناك احتمالات مفتوحة لعودة الحرب، لكن المعادلات القائمة لا تزال محكومة بتوازنات إقليمية ودولية تحول حتى الآن دون انزلاق كامل نحو حرب مفتوحة.
فرغم التصعيد اليومي، لم يظهر حتى اللحظة ما يشير إلى قرار استراتيجي من أي من الطرفين بخوض مواجهة كبرى، وهو ما يُضعف الروايات المتداولة عن “قرب العدوان الكبير”.
نختم لنقول: يبقى الحذر واجبًا، لكن الانجرار وراء موجات التهويل غير المستندة إلى وقائع يخدم من حيث لا يدري البعض مصلحة العدو الإسرائيلي الذي يراهن دائمًا على تفكيك الجبهة الداخلية عبر التخويف والتشويش. وفي ظل هذا المشهد، تبرز الحاجة إلى تعزيز ثقافة التحقق، والابتعاد عن تداول كل ما يُنشر دون تدقيق، لأن الحرب النفسية قد تكون أحيانًا أكثر فتكًا من المعارك الميدانية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى