افتتاحية اليوم: رسائل مشبوهة

في ظاهرة آخذة في الاتساع، بات اللبنانيون يتلقّون يوميًا رسائل نصيّة ومكالمات هاتفية غامضة من أرقام مجهولة، محلية وأجنبية، تحمل محتويات مثيرة للريبة. من عروض عمل مفخّخة وروابط إلكترونية مشبوهة، وهي تتقاطع في هدف واحد: استدراج الضحية وسرقة بياناته أو أمواله، أو زرع الذعر في النفوس.
التحذيرات تصاعدت من الجهات الأمنية وخبراء الأمن السيبراني، في ظل ارتفاع عدد البلاغات عن هذه الرسائل، وتكرار أنماطها المريبة. فهل نحن أمام موجة احتيال إلكتروني منظم؟ أم أنّ ما يحدث جزء من حرب سيبرانية تستهدف الأمن الرقمي اللبناني في لحظة حساسة؟
منذ أواخر عام 2024، بدأت تصل إلى هواتف اللبنانيين، خصوصًا عبر تطبيق “واتساب”، رسائل من أرقام تحمل رموز دول مختلفة. بعضها يعرض وظائف “من المنزل” براتب يصل إلى 1600 دولار يوميًا، فيما ترفق أخرى روابط تطلب إدخال معلومات شخصية، أو تحميل تطبيقات مجهولة، أو تحويل أموال مقابل “خدمة” ما.
يرى خبراء في الأمن السيبراني أن هذه الرسائل قد لا تكون مجرد عمليات نصب فردية، بل جزء من حملة إلكترونية أوسع تستهدف لبنان، خاصة أن بعض الأرقام مصدرها دول مجاورة أو معادية، والهدف قد لا يكون فقط المال، بل جمع معلومات حساسة، مثل أرقام الهوية، المواقع الجغرافية، البيانات البنكية، وحتى اختراق أجهزة المواطنين وتحويلها إلى أدوات للتجسس.”
ويُجمع الخبراء على أن لبنان يفتقر حتى اليوم إلى منظومة متكاملة للأمن الرقمي. فلا يوجد قانون واضح لحماية البيانات الشخصية، ولا هيئة وطنية مختصة بمتابعة الجرائم السيبرانية بالفعالية المطلوبة.
هذا الضعف البنيوي يجعل اللبنانيين مكشوفين أمام هكذا هجمات، ويزيد من صعوبة تتبع الجناة أو محاسبتهم، خاصة أن الكثير من الأرقام المستخدمة مؤقتة وتُدار من خارج الحدود.
وأمام هذا المشهد فإن لبنان الغارق في أزماته، يواجه اليوم جبهة جديدة في الفضاء الرقمي. رسائل لا تُطلق من مدافع، بل من هواتف صامتة، لكنها تحمل في طياتها تهديدات فعلية لأمن المواطن وخصوصيته وسلامته الرقمية.
وفي انتظار نتائج التحقيقات الرسمية، يبقى وعي المواطن اللبناني هو خط الدفاع الأول، في معركة تدار خلف الشاشات… لكنها واقعية وخطيرة بكل المقاييس.