أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: خطاب تكتيكي.. أم تحوّل استراتيجي؟

في مشهدٍ إقليمي بالغ التعقيد، أطلق الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، دعوةً لافتة إلى فتح حوار مع المملكة العربية السعودية، متحدثًا بلغة غير تصادمية تدعو إلى “العقل والحوار” كسبيلٍ لحلّ الخلافات.
هذه الدعوة، وإن بدت في ظاهرها دعوة إلى التهدئة والانفتاح، تطرح أكثر من علامة استفهام حول توقيتها وأبعادها ورسائلها، سواء للسعودية أو للداخل اللبناني.

يأتي تصريح الشيخ قاسم في لحظة حسّاسة، إقليميًا ولبنانيًا. فالمنطقة تشهد، منذ اتفاق بكين بين الرياض وطهران عام 2023، تحوّلات تدريجية نحو خفض التوتر، لكنها لا تزال بعيدة عن حالة الانفراج الكامل، خاصةً في ملفات مثل اليمن ولبنان.

من هنا، يُقرأ تصريح قاسم على أنه محاولة لالتقاط التحوّلات الإقليمية، وربما إرسال إشارات إيجابية تجاه الرياض، مفادها أن حزب الله لا يمانع الخروج من مربع القطيعة، لكنه في الوقت نفسه، يمثّل اختبارًا للنوايا السعودية: هل ستتعامل الرياض مع الحزب كفاعلٍ سياسي لبناني قابلٍ للتفاوض؟ أم أن موقفها الحذر منه لا يزال قائمًا رغم التهدئة مع طهران؟

منذ سنوات، تبنّى حزب الله خطابًا عالي النبرة تجاه السعودية، محمّلًا إياها مسؤولية تأزيم الأوضاع في المنطقة، ولا سيما في اليمن ولبنان، لكن تصريحات قاسم توحي بتحوّل تدريجي في الخطاب، أقلّه على مستوى الشكل.

هذا التحوّل، إن صحّ، لا يعني بالضرورة تغيّرًا في جوهر مواقف الحزب، بل قد يكون جزءًا من استراتيجية علاقات عامة جديدة تستثمر في مسار الانفتاح الإقليمي الذي ترعاه طهران، أو تكتيكًا موضعيًا لتحسين التموضع السياسي في الداخل اللبناني.

ورغم تباين المواقف الجذري، لم تكن العلاقة بين السعودية وحزب الله في حالة عداءٍ معلن دائم، بل مرّت بمراحل من الهدوء والاشتباك، وفق تغيّر الموازين الإقليمية. لكن بعد الحرب في سوريا، ثم تصاعد الأزمة اليمنية، ازداد الفتور إلى أن تحوّل إلى قطيعة شبه كاملة، سيّما بعد توصيف الحزب من قِبَل بعض دول الخليج كـ”منظمة إرهابية”.

من هنا، فإن أي دعوةٍ للحوار لا يمكن أن تُفهم خارج سياق إعادة هيكلة المشهد الإقليمي، خصوصًا بعد تحسّن العلاقات السعودية–الإيرانية. لكن ما لم تتوفّر أرضية مشتركة واضحة، فإن الحوار سيبقى في خانة الخطاب الرمزي لا الواقعي.

ما من شكٍّ أن لبنان كان ولا يزال ساحةً مفتوحة لتقاطع المصالح والصراعات بين السعودية وإيران. ومن هذا المنطلق، فإن أي تقارب بين حزب الله والرياض سيكون له انعكاس مباشر على الملف اللبناني من مختلف زواياه.

وهنا تكمن أهمية دعوة قاسم، فهي ليست فقط موجّهة إلى السعودية، بل أيضًا إلى الداخل اللبناني، وتحديدًا إلى الفرقاء الذين على خصامٍ سياسي وعقائدي معه.

نختم لنقول: إن تصريحات الشيخ قاسم لا يمكن قراءتها بمعزلٍ عن المشهد الإقليمي المتغيّر، ولا عن الأزمات اللبنانية المتراكمة. هي بلا شكٍّ رسالة سياسية مزدوجة، موجهة للخارج كنوعٍ من الليونة في الموقف، وللداخل كإثباتٍ على استعدادٍ للانفتاح.

لكن السؤال الجوهري يبقى: هل السعودية مستعدّة للردّ على هذه الدعوة؟ وهل يملك حزب الله فعلاً المرونة الكافية لتقديم تنازلات سياسية ضمن تسويةٍ شاملة؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه مناورة إعلامية محسوبة لتمرير المرحلة؟

الأيام المقبلة كفيلة بكشف طبيعة هذا “الانفتاح”، وما إذا كان جديًا بما يكفي لتدشين صفحةٍ جديدة، أم مجرّد محطة خطابية في انتظار التحوّلات الكبرى.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى