“افتتاحية اليوم”: السلامة الغذائية بين غياب الرقابة وقلق المواطن

في بلد تتوالى عليه الأزمات من كل حدب وصوب، تشكّل السلامة الغذائية في لبنان اليوم واحدة من أكثر القضايا الحساسة التي تؤرق المواطنين وتثير القلق المشروع حيال صحة ما يوضع على موائدهم. فبين انعدام الرقابة الصارمة، وتراخي القوانين، وتفشي الفساد الإداري، يجد اللبناني نفسه أمام تحدٍّ يومي: كيف يأكل بأمان؟
منذ الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2019، تدهورت البنية التحتية لمؤسسات الرقابة، وتراجع دور الدولة في ضبط الأسواق الغذائية، مما فتح المجال أمام انتهاكات خطيرة في سلسلة الإنتاج والتوزيع. تقارير متكررة من وزارة الصحة ووسائل الإعلام المحلية كشفت عن لحوم فاسدة، أجبان مصنعة بمياه ملوثة، وتخزين غير صحي في مستودعات غير مؤهلة.
تفتقر الجهات الرقابية، وعلى رأسها وزارة الصحة ومصلحة حماية المستهلك، إلى الكادر الكافي والتجهيزات الضرورية لإجراء الفحوصات المخبرية الدورية. كما أن غياب الميزانيات اللازمة يمنع الجهات المختصة من تنفيذ حملات رقابة ميدانية فعالة أو فرض الغرامات الرادعة.
في ظل هذا الغياب، يتحمّل بعض المنتجين والمستوردين المسؤولية الذاتية لضمان جودة وسلامة منتجاتهم، لكن هذا الالتزام يبقى استثناءً وليس قاعدة، خصوصًا مع دخول لاعبين جدد إلى السوق لا يمتلكون المؤهلات أو الالتزام الأخلاقي الكافي.
فالمواطن يعاني من غياب الشفافية، فلا ملصقات واضحة على المنتجات، ولا حملات توعية منتظمة حول طرق الحفظ أو علامات الفساد الغذائي. وقد دفعت الأزمة الاقتصادية بالعديد من الأسر إلى شراء الأغذية الأرخص دون التحقق من جودتها، ما يؤدي إلى تفاقم الأمراض المرتبطة بالغذاء كالتسمم والتهاب الكبد والجراثيم المعوية لا سيما فيروس”الروتا” المتفشي الان في لبنان حيث تعج المستشفيات بالمصابين.
وما من شك ان الحلول المطلوبة لتجنب كل ما تقدم تبدأ بإقرار قانون عصري وموحد للسلامة الغذائية، مرورًا بإنشاء هيئة مستقلة للرقابة تجمع بين الوزارات المعنية، وتفعيل آليات التعاون مع المجتمع المدني. كما يجب تعزيز التثقيف الغذائي في المدارس والإعلام لضمان وعي المستهلك، فالسلامة الغذائية ليست ترفًا بل حق أساسي من حقوق الإنسان، وهي مرآة تعكس مدى جدية الدولة في حماية صحة مواطنيها.