كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”: قد لا تعوز البرلمان من الآن فصاعداً جلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية. بعد السابعة الاخيرة كما قبلها اختبر افرقاؤه عضلاتهم وقدّم كل منهم افضل ما عنده. يبقى ان يحين اوان الوصول الى جلسة الاقتراع لرئيس يُنتخب لا الى مرشحين ليس الا
في الجلسات السبع المنصرمة منذ 29 ايلول وآخرها الخميس المنصرم، كل الارقام الممكنة والمتاحة استخدمتها الكتل النيابية، ولم تعد اي منها في حاجة الى مزيد في تجريب قوة سواها او مفاجأتها بما لا تملكه. اعلى رقم لحضور النواب كان 122 نائباً وادنى رقم هو 110 نواب، ما يفيد ان الجلسات منضبطة رغم السجالات العابرة. مع انها ارقام منطقية طبيعية لانتخاب رئيس، الا ان المحسوب هو ما يلي الدورة الاولى فقط.
ارقام الحضور ذاك ترددت اصداؤها على نتائج الاقتراع المقصورة على الدورة الاولى واليتيمة لكل جلسة: لاعباها الحقيقيان اثنان هما الاوراق البيض والنائب ميشال معوّض. ليس صعباً اذذاك التأكيد من الحسابات المدروسة التي ترافق الدخول الى قاعة المجلس. الاوراق البيض ترجحت بين 62 ورقة بيضاء و42 بهامش واسع بينهما يشير الى ان التمرين الدوري على هذا الرقم المتقلب ليس ابن مفاجأة او انقلاباً في المواقف او تراجع مُصوِّت بورقة بيضاء عن هذا الخيار لمصلحة خيار نقيضه. ما ان يهبط الرقم يعلو للفور في الجلسة التالية. والعكس صحيح.
ينطبق ذلك ايضاً على الاصوات التي حازها المرشح المعلن الوحيد النائب ميشال معوض بأن ترجحت بين 36 صوتاً و44 صوتاً. يعلو قليلاً ويخفت قليلاً فلا يقل عن الهامش الادنى ولا يزيد – وهو بيت القصيد – عن الهامش الاعلى. مغزى ذلك مزدوج: ان يقول داعموه اولاً انهم في جلستين للانتخاب منحوه الثلث المعطل لالتئام جلسة انتخاب رئيس يمكن ان يُفرض عليهم (43 و44 نائباً)، وان يقولوا ثانياً انه اول احصنتهم في الاستحقاق وليس الحصان الوحيد او الاخير بدعوتهم – او بعضهم المعوَّل عليه كوليد جنبلاط – الى التوافق. الاهم في ما تدل عليه ارقام التصويت لمعوض الحؤول دون حصوله، الى الآن على الاقل، على 48 صوتاً حسياً حضورياً لا غيابياً كي يتساوى بترشح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في جلسة 23 نيسان 2014 عندما حاز هذه الاصوات قبل الدخول آنذاك في شغور طويل.
للمفارقة في الجلسة تلك، كالجلسات الحالية، لم تكن الاوراق البيض اقل تأثيراً (53 ورقة بيضاء في جلسة 23 نيسان). اكثر من نصف الاصوات التي يحوزها نائب زغرتا تعود الى كتلتي جعجع وجنبلاط وحلفائهما من دون ان يحضر دائماً نواب الكتلتين جميعاً.
مؤدى ذلك ان كتل البرلمان، بما فيها تلك خارج اصطفافي التصويت لمعوض او لورقة بيضاء التي يمثلها نواب سنّة او نواب يُسمَّون تغييرين، ان اللعبة الداخلية استنفدت عدّة الشغل كلها، من غير ان يتزحزح الاستحقاق خطوة واحدة الى الامام على الاقل، في انتظار ما يقلب حسابات الافرقاء جميعاً رأساً على عقب سواء بصدمة داخلية او خارجية. يحافظ على استقرار التوازن الحالي طيّ الجدل اخيراً في المادة 49 حيال نصابي الانعقاد والاقتراع في جلسة الانتخاب تبعاً لما هو متبع بلا استثناء منذ عام 1926، ناهيك بما تنص عليه المادة نفسها بايرادها نصاباً واحداً لاجتماع النواب هو الذي تلحظه للدورة الاولى حينما يكون الفوز بثلثي اصوات النواب على الاقل، من ثم يتغير في الدورة الثانية او التي تليها نصاب التصويت والفوز (الاكثرية المطلقة)، دونما ان يتغيّر بالضرورة نصاب الانعقاد. اذ ليس مألوفاً لجلسة واحدة ان يرعى الدستور نصابين مختلفين للانعقاد.
اذا كان مفهوماً ومنطقياً ان يجهر الفريق المناوىء للثنائي الشيعي بمرشحه على الملأ في كل وقت على انه مرشحه الاول والاخير ولن يتخلى عنه، دونما ان يُظهر له في المقابل جدية هذا الدعم بإخراجه من المراوحة مع مَن لم ينضم اليه في الكتل والنواب المستقلين الموزّعين على خيارات اقرب ما تكون الى لاغية، يصبح مفهوماً – وقد لا يكون منطقياً الا لديه – امتناع الثنائي الشيعي وخصوصاً حزب الله الذي يتصرّف على انه قائد الحملة، عن تسمية مرشحه المعلوم وهو سليمان فرنجيه. لذلك اسباب شتى:
اولها، تيقنه من ان الساعة الاقليمية غير مطابقة والساعة المحلية على توقيت انتخاب رئيس جديد للبنان قبل السنة الجديدة. اول الشروط التي يتطلبها الحزب في الرئيس المقبل، المتوافرة في مرشحه، ليست كافية للوصول الى انتخابه: لا غالبية الثلثين متوافرة لالتئام الجلسة التي تفترض انضمام كتل اخرى سوى حمَلَة الاوراق البيض، ولا التأييد الخارجي مكتمل بعد. عند حزب الله الاشارة الفرنسية وحدها ايجابية انعكاساً لما كانت عليه مع فرنجيه عام 2015.
ثانيها، بعدما جُرِّبت في المرة الاولى ونجحت وإن باستنزاف طويل، لم يعد وهماً او ضرباً من الخيال او الجنون حتى التأكد من ان معادلة مرشح الحزب او لا احد غير قابلة للعودة الى الحياة مجدداً. من دون اعلان رسمي لا تساور الشكوك احداً في الحزب او القريبين منه او الدائرين في فلكه ان الزعيم الزغرتاوي هو مرشحه الحقيقي والفعلي. لا يحتاج الى اختبار ترشيحه في جلسات الانتخاب اذ يتصرّف على انه المفترض انتخابه على نحو مطابق تماماً لما رافق شغور عامي 2014 – 2016 عندما احجم الحزب، وليس الثنائي، عن الخوض في اي تفكير يجعله يتخلّف عن استمرار دعم الرئيس ميشال عون الى حين انتخابه. لا يواجه فرنجيه اليوم ما اختبره في تشرين الثاني 2015 عندما استجاب رغبة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في التخلي عن ترشيحه لمصلحة عون. في حوزة فرنجيه وقتذاك اصوات الثنائي الشيعي وجنبلاط والرئيس سعد الحريري والنواب حلفاء هؤلاء جميعاً قاربوا 76 صوتاً قبل وصوله الى جلسة الانتخاب. مع ذلك، في حوار مقتضب بينهما في الرابية، تمسّك عون بترشحه وحزب الله الى جانبه، فانكفأ فرنجيه.
ثالثها، ليست قليلة الاثر والفاعلية العقبة التي يمثلها النائب جبران باسيل في رفضه انتخاب فرنجيه. هما حليفان متساويان عند نصرالله تنطبق عليهما المواصفات التي اعلنها لمرشحه. يتقدّم باسيل في ترؤسه الكتلة النيابية الكبرى في البرلمان (نواب تياره وحلفائه) ورئيس احدى الكتلتين الممثلتين للشرعية المسيحية (مع حزب القوات اللبنانية)، بينما لدى فرنجيه كتلة من اربعة نواب فقط. الواقع ان سيئة احدهما فائدة للاخر. والعكس صحيح. فيما احاط باسيل نفسه بأعداء سياسيين شيعة وسنّة ودروزاً ناهيك بنصف المسيحيين في احسن الاحوال، حظ فرنجيه فيهم افضل واكثر استقطاباً لهم. مع ذلك، باسيل ممر الزامي لا يُعْبَر من فوقه ولا من تحته.