رأي

أوكرانيا المتأرجحة

كتب مفتاح شعيب في صحيفة الخليج.

عادت الأزمة الأوكرانية لتدخل مرحلة جديدة من عدم اليقين مع تضارب المواقف بين الرغبة في التصعيد والبحث في صيغة لإنهاء الحرب وإحلال السلام. وبموازاة العمليات العسكرية اليومية والتبادل المعتاد للقصف بالمسيرات والصواريخ، مازال الموقف الأمريكي ضبابياً بشأن وعود الرئيس الجديد دونالد ترامب، فيما يحاول الأوروبيون إبداء التصلب والتشدد حتى لا تتضرر مصالحهم واستراتيجياتهم من خواتيم الصراع.
في الميدان، مازالت القوات الروسية تراكم مكاسبها العسكرية وتوسع نطاق سيطرتها في الشرق الأوكراني كما تنفذ ضربات مؤلمة على منشآت الطاقة ومخازن السلاح ومصانعه والبنى التحتية ذات الصلة بالجيش في كييف والمدن الكبرى، وبالمقابل تحاول أوكرانيا إثبات حضورها بشن هجمات مسيرة وصاروخية على مواقع حيوية، أغلبها يتعلق بمنشآت نفطية ومحطات كهرباء في المناطق المتاخمة لحدودها، وهي هجمات محدودة التأثير وهدفها إثارة صدى إعلامي يروج لمقاومة مستمرة للقوات الروسية.

وفي رأي كثير من المتابعين، فإن هذه اللحظة مناسبة للتدخل الدبلوماسي، خصوصاً من الجانب الأمريكي، وتحديداً من الرئيس ترامب، الذي وعد مرات عدة أنه سينهي هذه الحرب «خلال 24 ساعة»، وقال: إنه يتطلع إلى لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين ليعرض عليه «صفقة»، وأعلنت سويسرا استعدادها لاستضافة هذه القمة التي لم يتحدد أي شيء عملي لانعقادها، وقد لا تنعقد في ضوء التأرجح والمزاجية التي تهيمن على سياسة البيت الأبيض الجديدة، وهو ما يتجلى تارة في الإعراب عن الرغبة في إنهاء الحرب، وطوراً في فرض عقوبات قاسية على روسيا، التي لا يبدو أنها تراهن على انقلاب أمريكي، وما يقوله المسؤولون في موسكو يوحي بأن الصراع مستمر، وقد يقود إلى مواجهة أكبر مع الغرب بما فيه الولايات المتحدة بزعامة ترامب.

رغم اقتراب الحرب في أوكرانيا من إنهاء عامها الثالث، ما زالت الأسباب العميقة لهذا الصراع مسكوتاً عنها من جميع الأطراف، فهي ليست بسبب رغبة روسية في توسيع مساحتها الضخمة أصلاً، ولا لرغبة لدى كييف في إلحاق الأذى بجارتها الكبرى ومضايقتها، وإنما أصل المشكلة يتعلق بسياسة غربية لا تشبع من الهيمنة، ولا تريد لروسيا، التي تقدم نفسها على أنها دولة عظمى، أن تحفظ مصالحها الإقليمية ودورها العالمي في نظام دولي جديد تدفع إلى تشكيله مع حليفتها الصين وبعض القوى المتوسطة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ومازال الغرب يراهن على إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، ما زال يطمح إلى إثارة القلاقل داخلها وربما الإطاحة بنظامها السياسي من خلال الضغط بالعقوبات الاقتصادية والحملات الإعلامية واستهدافه حلفاءها في العالم. ورغم أن هذه السياسة لم تحقق نتائجها كما ينبغي، فإن الاستمرار فيها سيؤدي إلى كوارث كبيرة جداً يصعب التنبؤ بحجمها أو توقع حدودها.
قبل أيام قليلة، رد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو على ترامب بعد تهديده بالسيطرة على جزيرة غرينلاند الدنماركية، بقوله: إنه يرجح أن العالم دخل مرحلة جديدة يحكمها مبدأ «البقاء للأقوى»، وهذا القول ليس تحليلاً من خيال وإنما يستند إلى سياسات وأمزجة وانعدام ثقة، وفي ظل هذا القلق، فإن الحرب في أوكرانيا ربما تكون مزحة وقد تصبح نموذجاً قابلاً للتمدد في مناطق كثيرة من العالم وأولها في أوروبا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى