أوكرانيا الحائرة

كتب وليد عثمان في صحيفة الخليج.
يبدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقديراً علنياً لجهود نظيره الأمريكي دونالد ترامب الرامية إلى تحقيق السلام في أوكرانيا، لكن رجل «الكرملين» لا يزال يتحرك في تعاملاته مع الصراع بين موسكو وكييف بمنطق القوي الذي لن يذهب إلى نهاية لا تحقق شروطه وتبدد مخاوفه المعلنة منذ البداية.
ويبدو أن أوكرانيا ستبقى لبعض الوقت في موقف الحائر في قلب صراعات القوى العالمية وما يمكن تسميته حرب الأقطاب، وأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيظل رهن مقدار التقارب بين هذه القوى، فإما استمراراً للصراع مع موسكو، وإما نهاية تستجيب لمعظم شروطها وتبدد كل مخاوفها، وهو في الحالتين خاسر.
جهود ترامب التي أثمرت لقاءه مع بوتين الشهر الماضي في قمة ألاسكا لم تحرك شيئاً حتى الساعة، وهو أمر لا يبدو أنه يؤرق الرئيس الروسي الذي أبدى مرونة تجاه تحركات الرئيس الأمريكي، لكنه لا يزال يشعر بالقوة التي مصدرها تفوق القوات الروسية الميداني، والعجز الأوروبي عن تقديم شيء ذي قيمة لأوكرانيا، فضلاً عن رهان موسكو على حلفائها، وفي مقدمتهم الصين.
تتقاسم الصين وروسيا ودول أخرى الإيمان بحتمية تعدد الأقطاب في العالم وتنوع الروابط في كل منها بما ينهي انفراد قوة واحدة بالهيمنة على أموره، والمقصود، بلا شك، هو الولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ أن احتدم الصراع في أوكرانيا، أصبحت الميدان العالمي الأبرز لاختبار القدرات. ورغم أي حديث عن أثر اقتصادي للعقوبات في روسيا، لا تزال في موضع القوي، إذ لم تفلح الولايات المتحدة، في زمن رئيسها السابق جو بايدن، وحلفاؤها الأوروبيون في التحركات الهادفة لإضعاف موسكو وحصارها سياسياً واقتصادياً، سواء بقيود تجارية، أو دعم كييف المالي والعسكري.
وحتى تغير النهج الأمريكي مع مجيء ترامب الذي قال غير مرة إنه قادر على إنهاء الصراع في وقت قياسي، وتحرك في هذا الاتجاه، لم يترجم إلى نتيجة مباشرة أو مقدمات لها حتى الساعة، فروسيا المرحبة بهذه الجهود لا تزال تبث رسائل صمودها في مواجهة أي ضغوط واستقوائها بحلفائها، خاصة الصين التي ينعقد فيها الآن منتدى الأمن التابع لمنظمة شنغهاي للتعاون التي تتساوى في قوتها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويحضر في مناقشات القادة ورؤساء الحكومات حضور المنتدى الملف الأوكراني بالطبع، وهو أحد محاور اجتماعات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الزعماء المشاركين، مستفيداً من الرسائل الصينية المتجددة حول حتمية إيجاد نموذج جديد للعلاقات الدولية القائم على التعددية بديلاً للإصرار الأمريكي على النهج الأحادي.
وبقدر ما ينضج هذا الاتجاه الصيني المؤيَّد من معظم دول العالم، ستكتسب روسيا قوة إضافية في الصراع مع أوكرانيا لينتهي ما اعتبرته في بدايته تهديداً وجودياً لها. وبمقدار فهم ترامب لرسائل بكين وموسكو، يمكن أن تنتهي حيرة أوكرانيا بتوقف الحرب الذي لا تزال موسكو تديره بالوتيرة نفسها.




