أمطار “إل نينيو الهندي” تضاعف آلام القرن الأفريقي
ضربت فيضانات عدداً من بلدان القرن الأفريقي مخلفة أكثر من 100 قتيل في الأقل، وموجة نزوح لنحو 780 ألفاً آخرين، إثر هطول أمطار غزيرة في الأسابيع الماضية، بخاصة في الصومال وكينيا وإثيوبيا، وفق ما أفادت مصادر إعلامية ومنظمات دولية عدة.
من جهتها، حذرت الحكومة الصومالية من أن الفيضانات التي تتعرض لها البلاد قد تصبح أسوأ كارثة إنسانية في البلاد منذ عقود، ما لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة لتدارك تداعيات الكارثة الطبيعية.
وقال رئيس الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث بالصومال محمد معلم عبدالله “الوضع مروع… ندعو الصوماليين في الشتات والمجتمع الدولي للاستجابة العاجلة للوضع قبل أن يتحول إلى كارثة إنسانية أكبر”.
وأضاف “الفيضانات قتلت 29 شخصاً وأجبرت أكثر من 300 ألف على الفرار من منازلهم في المناطق الجنوبية والوسطى من الصومال”، موضحاً أن المناطق الأكثر تضرراً تقع في ولايتي الجنوب الغربي وجوبا لاند.
بدوره، نبه رئيس وكالة الدولة الإقليمية لشؤون النازحين عبدالقادر على محمد إلى “أن الفيضانات أثرت في مخيمات النازحين في الضواحي، التي كانت تستضيف بالفعل مئات النازحين بسبب أسوأ جفاف في البلاد منذ أربعة عقود”.
وأضاف “رأينا عائلات مصابة بصدمات نفسية تفر من دون أمل في الأفق”، معرباً عن قلقه من أن الوضع الراهن قد يؤدي إلى انتشار الأمراض.
بدورهم، وصف متخصصون دوليون هذه الفيضانات التي شردت مئات الآلاف من السكان في الصومال والبلدان المجاورة في القرن الأفريقي بعد موسم جفاف قياسي بأنها “حادثة لا تقع إلا مرة في القرن”.
فيما قدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في بيان، تضرر نحو 1.6 مليون شخص من الأمطار الغزيرة الموسمية، التي تفاقمت بسبب التأثير المشترك لكل من الظاهرتين المناخيتين (إل نينيو)، و(ثنائي القطب) في المحيط الهندي.
ولا تزال الأمطار الغزيرة الناتجة من ظاهرة (إل نينيو) تجتاح دول شرق أفريقيا، منذ بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، إذ خلفت انزلاقات أرضية وغمرت قرى ومزارع بالمياه، في كل من الصومال وكينيا وإثيوبيا.
وكانت المناطق الأكثر تضرراً في جنوب غربي الصومال، في ظل غياب حملات دولية حقيقية لإنقاذ الوضع الإنساني، بخاصة مع انشغال العالم بالأحداث في غزة وأوكرانيا، واشتكى سكان القرن الأفريقي من تجاهل الإعلام العالمي والحكومات الغربية هذه المأساة الإنسانية.
من الحروب للكوارث الطبيعية
من جهتها، قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن الفيضانات دفعت آلاف الأسر النازحة، بما في ذلك لاجئون في إثيوبيا وكينيا والصومال، إلى مغادرة منازلها مرة أخرى، هرباً من الكارثة التي خلفتها الأمطار الغزيرة والمتواصلة في أنحاء كبيرة من المنطقة.
وأوضحت المنظمة أنه سجل أكثر من 795 ألف حالة نزوح داخلي في الصومال، منذ بداية الأزمة، بخاصة في الأجزاء الجنوبية والوسطى من البلاد، بسبب الصراع والجفاف، مشيرة إلى تعرض المنازل لأضرار بالغة أو دمرت بالكامل، وفي بعض المواقع يحتمي السكان تحت الأشجار في الأراضي المرتفعة.
وكشفت تقارير إعلامية عن مشاهد مأسوية عن وقوع حالات من الغرق. ففي المنطقة الصومالية بإثيوبيا تقدر السلطات أن يكون أكثر من 20 شخصاً لقوا حتفهم، بينما تضرر أكثر من نصف مليون شخص من الفيضانات المفاجئة.
وبحسب إفادة مفوضية اللاجئين فإن ما يقارب 40 ألف أسرة، أو نحو 240 ألف شخص نزحوا بما في ذلك أولئك الذين يبحثون عن الأمان من الصراع الدائر في الصومال، أكثر من نصفهم في مقاطعتي دولو أدو وبوكولمايو.
وفي خمسة مخيمات عانى 213 ألف لاجئ أيضاً تأثيرات الفيضانات، كما أن مياه الشرب النظيفة والآمنة باتت نادرة، ويعد أمر الوصول إلى الخدمات الصحية صعباً، وفقدت ما يقارب 1000 أسرة مآويها. وعلى رغم هذه الصعوبات قدم عديد من اللاجئين مساهمات سخية لدعم أفراد المجتمعات المستضيفة الذين تأثروا أيضاً بالأمطار الغزيرة.
كينيا… لجوء مضاعف
إلى جانبه، قال الصحافي الكيني محمد جمعة، إن تأثيرات الفيضانات شملت ما يقارب 25 ألف شخص في مخيمات داداب للاجئين، حيث لجأ عديد منهم إلى المدارس داخل المخيمات وكذلك في المجتمعات المجاورة، كما فتح بعض اللاجئين منازلهم لاستضافة النازحين الجدد، مما أدى إلى حالة من الاكتظاظ في مساكن عديد من الأسر.
وأعاقت الطرق التي غمرتها الفيضانات حركة السكان – وفق جمعة – مما جعل من الصعب على الأشخاص من الفئات الضعيفة بشكل خاص الوصول إلى الخدمات، بما في ذلك النساء الحوامل لزيارة المستشفيات. وفي مخيم كاكوما اضطرت 100 أسرة إلى الانتقال إلى مناطق أكثر أماناً، بسبب التآكل الهائل الذي تعرضت له التربة نتيجة للأمطار.
وقال موقع تابع لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين إن المنظمة وشركاءها يوزعون مواد الإغاثة على النازحين الجدد، إضافة إلى مستلزمات النظافة الشخصية على النساء والفتيات المتضررات.
وتتلقى الأسر أيضاً مساعدات نقدية لشراء مواد بناء محلية لإصلاح أو تقوية المآوي وتلبية الحاجات العاجلة الأخرى، فيما تم توفير أكياس الرمل لحماية السكان من مياه الفيضانات.
إلا أن المفوضية أكدت أن هناك حاجة إلى دعم عاجل من الجهات المانحة لتقديم المساعدة والحماية وإنقاذ الأرواح مع استمرار هطول الأمطار، ومع شعور الفئات الأكثر ضعفاً بتأثيرات تغير المناخ.
تجاهل العالم يضاعف المأساة
من جهته قال المتخصص في الشأن الكيني كريس جومو إن منطقة شرق أفريقيا عموماً والقرن الأفريقي بشكل خاص ظلت مرشحة منذ فترة لوقوع كوارث طبيعية، نتيجة التحولات المناخية المرتبطة بما يسمى “إل نينيو الهندي” إذ إنه الإقليم المحاذي للمحيط الهندي، وعلى رغم ذلك لم يتم اتخاذ التدابير الوقائية سواء من الحكومات في المنطقة أو من المجتمع الدولي.
وأعاد كريس التذكير بالتقارير التي أصدرتها المنظمات والجماعات المهتمة بالبيئة والتحولات المناخية، بما فيها قمة كوب المنعقدة بشرم الشيخ المصرية، إذ تشير إلى الأخطار المحدقة التي تواجهها دول شرق أفريقيا ودول جنوب شرقي آسيا جراء الظواهر المرتبطة بالتحولات المناخية.
وأضاف “على رغم وقوع الكارثة التي تسببت في مقتل العشرات ونزوح ما يقارب مليون إنسان عن منازلهم وقراهم، فإن التجاهل الكبير من قبل المجتمع الدولي تجاه هذه الكارثة الإنسانية قد ضاعف حجم الخسائر في الأرواح والممتلكات”.
ونوه بأن المساعدات المتواضعة التي تقدمها المنظمات الإنسانية لا تلبي الحاجات الضرورية للنازحين، بخاصة أن معظمهم من اللاجئين أو محدودي الدخل بالأساس. وأضاف أن انشغال القوى الكبرى بالأحداث الجارية في فلسطين وإسرائيل علاوة على الأوضاع في أوكرانيا أسهما في تجاهل هذه الكارثة التي لا تقل تأثيراً عن تداعيات النزاعات المسلحة.
“إل نينيو” وتحولات المناخ
بدوره، قال المتخصص في المؤسسة الإثيوبية لمكافحة الكوارث الطبيعية مكنن أسفها، إن الفيضانات الأخيرة ناتجة مما يسمى ظاهرة “ثنائية قطب المحيط الهندي” المعروفة باسم إل نينيو الهندي، مؤكداً أنها عبارة عن “تذبذب غير منتظم لدرجات حرارة سطح البحر، إذ يصبح المحيط الهندي الغربي أكثر دفئاً بالتناوب (المرحلة الإيجابية) ثم أكثر برودة (المرحلة السلبية) في الجزء الشرقي من المحيط”.
ومضى في حديثه أن التذبذب الإيجابي غالباً ما يرتبط بأمطار أعلى من المتوسط خلال فترة أمطار شرق أفريقيا القصيرة بين شهري أكتوبر (تشرين الأول) وديسمبر (كانون الأول) من كل عام.
فيما يرتبط ارتفاع هطول الأمطار خلال فترة أمطار شرق أفريقيا القصيرة بدفء درجة حرارة سطح البحر في غرب المحيط الهندي ومستويات الرياح الغربية المنخفضة عبر المنطقة الاستوائية من المحيط، مما يجلب الرطوبة فوق منطقة شرق أفريقيا.
ويرى المتخصص الإثيوبي أن الدراسات ظلت تسجل أن زيادة هطول أمطار مرتبطة بذبذبة إيجابية تؤدي إلى زيادة الفيضانات في شرق أفريقيا خلال فترة أمطارها الموسمية، موضحاً أن الذبذبة الإيجابية القوية تحديداً في نهاية عام 2019 أدت إلى متوسط هطول الأمطار في شرق أفريقيا أعلى بنسبة 300 في المئة من المعتاد.
وأدى ارتفاع معدل هطول الأمطار هذا إلى ارتفاع معدل انتشار الفيضانات في جيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا وتنزانيا والصومال وجنوب السودان.
وأضاف أن هذا المعدل ظل يؤشر إلى أن ارتفاع معدلات هطول الأمطار الغزيرة، وبتلك المعدلات المسجلة خلال الأعوام الخمسة الماضية، سيؤدي إلى زيادة خطر الانهيارات الأرضية على المنطقة، مما يعزز احتمالات حدوث تدمير واسع النطاق وفقدان الأرواح والممتلكات، بخاصة أن هذه الدول لا تتوفر على بنى تحتية قوية، وقنوات تصريف توازي المعدل المتضاعف للأمطار.