رأي

ألمانيا واليابان.. السياسة الدفاعية

كتبت زميلة برنامج أوروبا في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك ليانا فيكس في “واشنطن بوست لايسنسينج آند سينديكيشن”:

زيارة العمل التي قام بها المستشار الألماني أولاف شولتز إلى واشنطن في 3 مارس أتت بعد عام واحد تقريباً على خطاب تاريخي يَعد بتحولٍ جذري في سياسة الدفاع الخارجي الألمانية، بعيد أيام فقط على بدء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. الخطاب تحدث عن «تسايتنفنده» Zeitenwende – التي تعني لحظة مفصلية في الزمن – ومنذ ذلك الحين، أضحى هذا المصطلح اختزالاً لتفكير السياسة الخارجية الألمانية تحت قيادة شولتز. 
ولكن بعد مرور عام من «تسايتنفنده»، تجد برلين صعوبة حالياً في ترجمة الوعود الجريئة إلى أفعال. فقد التزم شولتز بإنفاق أكثر من 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا على الدفاع وبدعم أوكرانيا بأسلحة ثقيلة. وبعد عام على ذلك، وعلى الرغم من إنشاء صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو للجيش الألماني، إلا أن هدف إنفاق 2 في المئة أُرجئ إلى 2025، بينما ما زالت شركات الدفاع الألمانية تنتظر تبلور الكثير من الصفقات المعلن عنها.
وعلى الرغم من أن ألمانيا أصبحت ثاني أكبر مساهم أوروبي في أوكرانيا (خلف المملكة المتحدة)، إلا أن كل قرار بإرسال مساعدات إضافية يأتي بطيئاً للغاية وفقط تحت ضغط دولي وداخلي قوي، في وقت بات يُنظر فيه إلى شولتز نفسه على أنه يتلكأ. 
وبسبب عدم تحقيق التوقعات الكبيرة، تأثرت سمعة ألمانيا الدولية سلباً. ويخشى البعض أن يكون خطاب شولتز كُتب في وقت كان يبدو فيه أن كييف ستسقط في غضون أيام، وأن الجنود الروس سيشكلون بالتالي تهديداً مباشراً لحدود «الناتو». 
كان الهدف من زيارة شولتز التي لم يواكبها اهتمام إعلامي كبير هو طمأنة الولايات المتحدة التي تُعد حليف ألمانيا الأهم، بأن «تسايتنفنده» لم تفشل وبأنه يعمل جاهداً لإنجاحها. كما خاطب الجمهور الأميركي في مقابلة مع قناة «سي إن إن» من أجل إصلاح بعض الضرر. حملة العلاقات العامة هذه كانت ضرورية، ولكنها لم تكن كافية. ولإسكات منتقديه، سيتعين على شولتز أن يفي بخطابه في نهاية المطاف. 
غير أنه يتعين على المنتقدين أيضاً التفكير في المسألة بطريقة موضوعية ومتوازنة أيضاً. ويجدر بهم النظر إلى اليابان، وهي بلد آخر كانت لديه ثقافة ضبط نفس عسكرية خلال مرحلة ما بعد الحرب، وسلك طريقاً مماثلاً لذاك الذي تسير فيه ألمانيا. ولكنه متقدم عليها بكثير لسببين رئيسيين هما: القيادة السياسية المذهلة لرئيس الوزراء شينزو آبي، وحقيقة أن آبي شرع في الدفع في اتجاه التغيير قبل أكثر من عقد من الزمن. 
خلال الفترة التي قضاها في السلطة، عمل آبي على تحويل اليابان إلى شريك عسكري للولايات المتحدة والهند وأستراليا لا يمكن الاستغناء عنه في الدفاع عن «منطقة محيط هندي ومحيط هادئ حرة ومفتوحة». وعلى الرغم من أنه لم يستطع إصلاح المادة 9 من الدستور الياباني – «بند اللاحرب» – إلا أنه عزّز قدرات قوات الدفاع الذاتي اليابانية، وأطلق أول «استراتيجية للأمن القومي»، وأنشأ «مجلس أمن قومي» جديداً في 2013.
 وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت اليابان اعتزامها رفع إنفاقها العسكري إلى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2017، وهو ما من شأنه أن يجعل منها ثالث أكبر منفقٍ على الدفاع في العالم. 
غير أنه لئن كان ينبغي على المنتقدين التحلي بالصبر، فإنه يجب على ألمانيا ألا تتراخى وتتقاعس. ذلك أن برلين في حاجة إلى تدارك ما فات وتعويض عقدها الضائع. والواقع أنه خلال العشر سنوات الماضية كثيراً ما ألمح صناع السياسات الألمان إلى تقلد بلدهم دوراً دولياً أقوى، ولكنهم لم يطبقوا ذلك بجدية أبداً. ولم تشرع برلين في تطوير أول استراتيجية أمن قومي لها إلا بعد خطاب شولتز حول الـ«تسايتنفنده». ولكن خلافاً لمقاربة اليابان الواقعية، ستركز برلين على فكرة فضفاضة جداً هي «الأمن المتكامل» – الوقاية من الحرب والعنف، والحرية في المجتمعات الديمقراطية، والأسس الإيكولوجية للحياة. وعلى الرغم من هذا النطاق الواسع – وبالتالي الأقل شراسة –، فإن نشره الذي طال انتظاره أُرجئ بسبب صراعات داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا الذي يتألف من ثلاثة أحزاب. وقد يُرجأ الإنشاء المزمع لمجلس أمن قومي كلياً. 
ختاماً، ينبغي على زعماء ألمانيا – خاصة شولتز المشهور بحذره – الاقتداء بالأمة الأخرى التي كانت منضبطة عسكرياً على شرقها. لقد أحدثت زعامة آبي في وقت مبكر فرقاً وبنت أُسس إصلاحات اليابان الناجحة اليوم. كما أبدى وزير دفاع ألمانيا الجديد بوريس بيستوريوس إشارات على أنه مدرك للمخاطر. والأكيد أن برلين تحتاج مستقبلاً إلى قدر أقل من الصراع الداخلي والتردد – قدر أقل من تلكؤ شولتز ومزيد من تصميم اليابان، ذلك أن الوضع أصعب وأكثر تعقيداً من الاستمرار في الارتجال والسير على النهج القديم.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى