رأي

بوصلة السلام

كتبت نوال الجبر في صحيفة الرياض.

منذ نشأة القضية الفلسطينية، لم تتعامل المملكة معها بوصفها ملفًا سياسيًا عابرًا، بل باعتبارها مسؤولية تاريخية تمس هوية الأمة وميزان العدالة في العالم، وعلى امتداد عقود لم تتغير مواقف المملكة بتغير التحالفات الدولية أو تبدل الظروف الإقليمية، بل حافظت على نهج ثابت يقوم على حماية الحق الفلسطيني، ودعم صموده سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا، والسعي لبناء إجماع دولي يعترف بحقه في دولة مستقلة ذات سيادة.

لقد كانت المملكة أول من قدم رؤية شاملة للسلام العادل في المنطقة، حين طرحت مبادرة السلام العربية التي تحولت إلى مرجعية دولية لأي تسوية لم تكن المبادرة ورقة تفاوض، بل إعلانًا لمبدأ: لا استقرار في الشرق الأوسط دون إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ومنذ ذلك الوقت، أثبتت الأحداث أن كل محاولة تجاوزت هذا المبدأ انتهت إلى الفشل، وأن طريق السلام يظل يعود إلى ما طرحته المملكة.

وحين انعقدت قمة شرم الشيخ للسلام، لم يكن حضور المملكة حضورًا شكليًا، بل امتدادًا لدورها القيادي في توجيه الرأي العام الدولي نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية. فالمملكة لم تركز يومًا على إنهاء الحرب فقط، بل على منع تكرارها، ولم تبحث عن هدنة مؤقتة، بل عن سلام يضمن الكرامة والحقوق ويعيد للشعب الفلسطيني مكانته الطبيعية بين شعوب العالم.

لقد أثبتت المملكة، من خلال تاريخها وتحركاتها الأخيرة، أنها الطرف الأكثر قدرة على الجمع بين القوى الإقليمية والدولية، والأكثر ثباتًا في الدفاع عن الثوابت العربية، والأكثر تأثيرًا في صياغة المواقف الجماعية ولذلك، فإن أي حديث عن سلام حقيقي لا يمكن أن يبنى إلا على الرؤية التي تتبناها المملكة، وأي اتفاق لا يحمل مضمونها سيظل ناقصًا أو مؤقتًا.

لقد جاءت مشاركة المملكة في قمة شرم الشيخ لتؤكد أن حضورها في أي مسار تفاوضي لا يقتصر على المقعد، بل يمتد إلى صياغة وتحديد سقف التوقعات وتوجيه البوصلة نحو الحل النهائي.

ولم يكن التأثير السعودي في القمة نابعًا من قوتها السياسية فقط، بل من مصداقيتها التاريخية والتزامها العملي بدعم الشعب الفلسطيني، فالمملكة قدمت أحد أكبر برامج المساعدات الإنسانية والإغاثية لإعادة بناء غزة، وساهمت في دعم المؤسسات الفلسطينية، وحافظت على تماسك الموقف العربي في أشد اللحظات حساسية وخلال القمة، بدا واضحًا أن كثيرًا من القادة استندوا إلى الموقف السعودي كمعيار للتوازن والواقعية، ما جعل المملكة شريكًا في صياغة مخرجات القمة لا مجرد مشارك في جلساتها وهكذا أثبتت المملكة أن دورها في القضية الفلسطينية ليس رد فعل ظرفيًا، بل قيادة مسؤولة تمسك بزمام التوجه وتبقى هي بوصلة السلام.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى