الملكة مارغريتا الثانية تتنازل عن العرش بعد نصف قرن لمصلحة ابنها ولي العهد فريدريك
أعلنت الملكة الدنماركية مارغريتا الثانية تنازلها عن العرش بعد أكثر من نصف قرن على توليها منصبها، لمصلحة ابنها ولي العهد الأمير فريدريك، بدءًا من 14 يناير/كانون الثاني.
وقالت الملكة ليلة أمس عندما كان الدنماركيون يجتمعون في تقليد سنوي للاستماع إلى كلمة ملكتهم: “لقد قررت أن الآن هو الوقت المناسب لأتنحى عن منصبي كملكة بعد 52 عامًا من خلافتي، لابني ولي العهد الأمير. فريدرك سيكون بدءا من منتصف الشهر الحالي (الملك فريدريك)”.
ويعد فريدرك مع شقيقه يواكيم ثمرة زواج بين الملكة ودبلوماسي فرنسي لقب منذ ستينيات القرن الماضي “الأمير هنريك”.
من هي الملكة مارغريتا الثانية؟
ولدت مارغريتا الثانية في قصر آمالينبورغ في كوبنهاغن بعد نحو أسبوع من الاحتلال النازي لبلدها في 16 إبريل/نيسان 1940، وتولت العرش في العام 1972، بعد رحيل والدها الملك فريدريك التاسع، وقضت أطول فترة في التاريخ الملكي الدنماركي.
ومارغريتا الثانية هي ثاني سيدة تصل إلى العرش بعد مارغريتا الأولى (1375-1412) والتي صنفت كموحدة لبلدها مع النرويج والسويد، أو إخضاعهما بالأحرى بعد حروب ومؤامرات.
وكانت خلافة المرأة قد سرت لأول مرة في الدنمارك مع القانون الملكي لعام 1665، قبل أن تُلغى عام 1853، وتتم استعادته مرة أخرى مع التعديل الدستوري لعام 1953، إذ أجري حينها استفتاء شعبي لمصلحة توريث أنثى العرش على خلفية عدم وجود ولي عهد ذكر لوالدها فريدريك التاسع الذي أصبح ملكا عند وفاة جدها كريستيان العاشر عام 1947.
وجرى بذلك التعديل للدستور شطب وراثة العرش من الملك إلى أخيه وحصره في ابنته الكبرى مارغريتا ومن هم من صلبها في ما بعد.
وحافظت مارغريتا الثانية على مكانة في التاج البريطاني بالترتيب 220 باعتبارها حفيدة جدتها لأمها مارغريت كنوت، حيث كانت الأسر الملكية الأوروبية تدخل في مصاهرات من العصور الوسطى، بل إن شقيقة مارغريتا الثانية، الأميرة آن ماري، كانت زوجة ملك اليونان السابق قسطنطين الثاني، بالإضافة إلى زيجات أخرى مرتبطة بعروش أوروبية أخرى.
ومنذ أن أصبحت في الثامنة عشرة في 1958 كانت تترأس اجتماعات مجلس الدولة في غياب والدها، وهي مرحلة الإعداد للعرش.
مارغريتا الثانية التي تعتبرها الأغلبية الدنماركية بلغتهم المحلية “ملكة الشعب/ المقربة إلى القلوب”، استطاعت أن تأسر قلوب شعبها الصغير بعدما ظهرت وكأنها مثلهم، إذ عُرفت بآراء الكوميديا السوداء والتدخين الشره عندما كان من المسموح أن تظهر على شاشة التلفزة وهي تشعل سيجارتها.
ودرست في المدارس الدنماركية العادية في طفولتها وصباها، قبل أن تنتقل إلى بريطانيا وفرنسا لمتابعة دراسات أخرى، كعلم الآثار التي افتتنت به إلى جانب الفلسفة، كما درست كباقي أفراد القصر في جامعة آرهوس العريقة (وسط غرب)، وتحديدًا في كلية العلوم السياسية، لمدة عامين.
والتقت في لندن بالكونت الفرنسي هنري ماري جان أندريه دي لابورد دي مونبيزات، الذي كان سكرتيرا للمفوضية في السفارة الفرنسية في بريطانيا، والذي سيصير لاحقا “الأمير هنريك”. كما التقت خلال ولايتها عام 1962 بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، حيث توالت زياراتها إلى مصر بسبب عشقها لعالم الآثار.
وتُعرف مارغريتا الثانية عند شعبها، في توجيه خطابات تحث على الانفتاح وإظهار “الضيافة” في الفترة التي كان بلدها يستقبل اللاجئين في ثمانينيات القرن الماضي، رغم أن منصبها دستوري ولا تحكم في السياسة، وكانت بلغة ملكية تتدخل أحيانا في تأنيب التطرف القومي الذي استشرى خلال العقدين الماضيين.
ولم يكن كل الشعب الدنماركي يُجمع على بقاء الدنمارك مملكة، إلا أن مواقف حتى اليسار الداعي إلى التحول إلى جمهورية تغيرت لتكون أكثر حرصا على بقاء القصر كوجه لبلادهم، إذ إن القصر يلعب دورا بارزا في الجولات الخارجية التي تضم وزراء وكبريات الشركات الدنماركية وعالم الأعمال إجمالا، لأجل تسيير مصالح البلاد، وهو ما يؤهل القصر للحصول على ميزانية دافعي الضرائب.
لم تكن بداية مارغريتا الثانية سهلة في حكم التاج، حيث تزامن تصعيدها إلى العرش مع خَلق ما يسمى “تمرد” أو ثورة الشباب عام 1968 مناخا ديمقراطيا لم ينسجم بشكل جيد مع وجود نظام ملكي وراثي.
وللمرة الأولى منذ عام 1920، ظهر الفكر الجمهوري، وأظهر استطلاع للرأي آنذاك أجرته مؤسسة “غالوب” أن نصف السكان كانوا ضد استمرار النظام الملكي والنصف الآخر مع نظام جمهوري. وسرعان ما تغلب الجزء المؤيد للملكية في الشارع، حيث شكل استفتاء الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة (الاتحاد الأوروبي حاليا) عام 1973، ومشاركة الملكة المتوجة قبل ذلك بعام في نقاشات الرفاهية والاقتصاد، والخروج من أزمة انقطاع النفط العربي (في حرب أكتوبر) التفافا حول العائلة الملكية، وخصوصا بكاريزما خاصة بمارغريتا الثانية.
زواجها
تزوجت مارغريتا الثانية في 10 يونيو/حزيران 1967 بالدبلوماسي الفرنسي هنري ماري جان أندريه، كونت دي لابورد دي مونبيزات، الذي حصل بعد ذلك على لقب الأمير هنريك، وكان قد حصل قبل وفاته على لقب “صاحب السمو الملكي” الأمير هنريك.
في 26 مايو/أيار 1968، أنجبت مارغريت وريث العرش فريدريك أندريه هنريك كريستيان (ولي العهد فريدريك). وفي 7 يونيو/ حزيران 1969، تبعه الابن الثاني للزوجين يواكيم هولغر فالديمار كريستيان (الأمير يواكيم).
وتشير الصحافة الشعبية المتخصصة في القصر الملكي إلى أن الأمير يواكيم شقيق ولي العهد، والملك لاحقا، فريدريك “كان يخبر أخاه في سن العاشرة أنه سيرث القلعة”. فتساءل فريدريك، وفقا لتلك الصحف، على مسمع من أمه الملكة: “أهذا عادل؟ ماذا عساي أرث إذا؟ فتدخلت مارغريتا لتخبره: عليك أن ترث الدنمارك”. وهو بالفعل ما ساقه الملك القادم فريدريك بنفسه في كتابه “تحت الشعاع” الذي صدر في 2017.
سار فريدريك على خطى والدته الملكة ووالده الأمير الراحل هنريك (2018)، في الطريق نحو العرش، وانخرط في قوات النخبة في جيش بلاده ودرس العلوم السياسية، على نفس خطى أمه وفي نفس الجامعة، وتولى مناصب دبلوماسية ورياضية.
وكسب فريدريك تعاطف الشعب حين اختار زوجته من خارج التقليد الملكي. ففي عام 2000 التقى ولي العهد بالشابة الأسترالية – الاسكتلندية ماري (خلال دورة الألعاب الأولمبية في سيدني) في حفلة لم تكن تعرف أن من يشارك فيها أمراء من الدنمارك وإسبانيا واليونان. وكانت عائلة ماري مهاجرة إلى أستراليا، وعمل والدها في كوريا كأستاذ رياضيات في المعهد الكوري الجنوبي للعلوم التطبيقية.
ورغم همس البعض له، لم تثنه عن إصرار الارتباط بها، وقد لاقى دعما من والدته التي ما فتئت بالأساس أن تحث شعبها على تفهم ظروف وخلفيات المهاجرين واللاجئين، إلى الحد الذي أغضب يوما الصحف اليمينية التي طالبتها بـ”الصمت” وعدم التدخل، في ذروة الأفكار القومية المتشددة ضد الهجرة.
وفي خريف 2003، أعلنت الملكة مارغريتا الثانية بنفسها أنها “أعطت الإذن لولي العهد بالزواج بالمواطنة الأسترالية الاسكتلندية مارس إلزابيث دونالسون”.
وفي 14 مايو/أيار 2004، تزوجت ماري دونالدسون بولي العهد الأمير فريدريك في كاتدرائية كوبنهاغن. أثمر الزواج الذي صمد، على عكس زيجات أخيه يواكيم، عن أربعة أبناء، أكبرهم كريستيان الذي سيصبح مع تولي أبيه العرش منتصف الشهر الحالي وليا للعهد.
وكانت الملكة مارغريت قد أصبحت جدة لأول مرة في 28 أغسطس/ آب 1999، عندما أنجب الأمير يواكيم وزوجته آنذاك الأميرة ألكسندرا (الآن ألكسندرا، كونتيسة فريدريكسبورغ) الأمير نيكولاي. وتبعه سبعة أحفاد آخرين، ولد منهم وريث العرش كريستيان فالديمار هنري جون، ابن ولي العهد الأمير فريدريك وولي العهد الأميرة ماري، في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2005.