زيادة الضرائب وهبوط القوة الأميركية!

كتب د. عبدالله سهر في صحيفة الراي.
قبل أكثر من 40 عاماً، كتب عالم العلاقات الدولية الأميركي روبرت جلبن (Robert Gilpin) كتابه الشهير «الحرب والتغيير في السياسة العالمية» (War and Change in World Politics)، الذي تناول فيه كيفية هبوط القوى العظمى. من بين الظواهر التي أشار إليها في كتابه، ذكر جلبن، أن أحد المؤشرات على هبوط القوى العظمى هو لجوء تلك الدول إلى زيادة الضرائب. في سياق شرحه، تحدث عن ما أسماه «الدورة الإمبريالية»، وهي المرحلة التي تجد فيها الدولة العظمى نفسها محاطة بالالتزامات الخارجية التي تتجاوز عوائدها، ما يدفعها إلى البحث عن مصادر بديلة للتمويل، مثل الدخول في الحروب والصراعات من أجل إعادة تنشيط نفسها. وفي الوقت ذاته، تلجأ إلى زيادة الضرائب. وقد أكد جلبن، أن هذه السياسات لن تكون قادرة على إنقاذ الدولة العظمى من الهبوط، بل قد تسرع من انهيارها.
لم يكن روبرت جلبن، هو الوحيد الذي تنبأ بذلك. بل يشاركه العديد من المفكرين المختصين في هذا المجال، مثل بول كينيدي (Paul Kennedy) في كتابه المشهور «صعود وسقوط القوى العظمى» (The Rise and Fall of the Great Powers)، وإيمانويل والرشتاين (Immanuel Wallerstein) في كتابه «النظام العالمي الحديث» (The Modern World-System)، ومانسور أولسن (Mancur Olson) في كتابه «صعود وانحدار الأمم: النمو الاقتصادي، الركود التضخمي، والجمود الاجتماعي» (The Rise and Decline of Nations: Economic Growth, Stagflation, and Social Rigidities).
من المواضيع البارزة التي تناولها مانسور أولسن، في كتاب آخر بعنوان «القوة والازدهار: تجاوز الديكتاتوريات الشيوعية والرأسمالية» (Power and Prosperity: Outgrowing Communist and Capitalist Dictatorships) هو مفهوم «قاطع الطرق المتجول Roving Bandit وقاطع الطرق المستقر Stationary Bandit»، حيث استخدمهما لتوضيح كيف تتبع بعض الحكومات سياسات اقتصادية متناقضة. الفرق بين هذين النوعين من قطاع الطرق في نظرية أولسن، هو أن اللص المتجول يسعى إلى استنزاف الثروات لصالحه ونخبته، بينما اللص المستقر هو الذي يسعى إلى فرض الضرائب بهدف انعاش الاقتصاد.
في السياق الأميركي الحالي، يمكن تصور أن سياسات الرئيس ترامب تتشابه مع سلوك المتجول من حيث سعيه لسياسة تقليل الضرائب على الشركات الأميركية الكبرى بهدف انعاش الاقتصاد الأميركي، والتي تتقاطع مصالحها مع مصالحه كونه رجل أعمال قبل أن يكون رئيساً للولايات المتحدة. ومع ذلك، يمكن أيضاً أن ينطبق عليه مفهوم المستقر في سعيه لفرض الضرائب الجمركية، بهدف تحقيق النمو وزيادة العوائد للاقتصاد الأميركي وتحقيق توازن تجاري عادل منصف لدولته مثلما يعتقد.
رغم الاختلافات بين الأدبيات المشار إليها، إلا أن هناك أمراً مشتركاً بينها، وهو أن زيادة الضرائب الجمركية تُعد بداية لنهاية دولة عظمى بغض النظر عن مكانها وزمانها فقد تكررت هذه الظاهرة في الدولة الرومانية والعثمانية والبريطانية وغيرهم. وبناء عليه، يمكن القول إن تخفيف الضرائب على الشركات الأميركية الكبرى وزيادة العوائد من الضرائب الجمركية يمكن أن يؤدي إلى انتعاش الاقتصاد الأميركي في البداية. ولكن على المدى المتوسط، قد يؤدي ذلك إلى تأثير عكسي عليها كدولة عظمى، حيث سيسبب ركوداً اقتصادياً عالمياً سينعكس بشكل أكبر على الولايات المتحدة خاصة في ظل تعقد ظاهرة الاعتماد الاقتصادي المتبادل، ما قد يقودها إلى الهبوط من سلم القوى الدولية لتصبح دولة عظمى عادية، بدلاً من أن تظل مهيمنة.
لذلك، من المتوقع أن يشهد العالم تحولاً كبيراً في المرحلة المقبلة نحو حقبة دولية جديدة، لها هيكلها وقواعدها ومعادلاتها الخاصة، ما يترتب عليه ضرورة الاستعداد لهذه التحولات الكبيرة لكونها تتصل بمنظور الأمن القومي الشامل للدول.