رأي

أحلام الطالبان في أحضان الأمريكان!

جاء في مقال للكاتب علي الزعتري في صحيفة “رأي اليوم”:

لم يكن الاشتباك الطالباني الإيراني الحدودي مستغرباً، فالحدود، أية حدود، تشهد توتراً قد يصل للاشتباك بين دول متجاورة و متنافسة. حدود الصين و الهند و الباكستان و الهند و أذربيجان و أرمينيا  و أذربيجان و إيران و مصر و ليبيا و المغرب و الجزائر و في الستينات و السبعينات بين الكويت والعراق كلها شهدت هذه الاشتباكات التي تهدأ و تشتعل و قد تصل لمرحلة الحرب المحدودة أو الطاغية. لم يكن الاشتباك الأفغاني الإيراني مفاجئاً من هذه الزاوية لكن المستغرب و المفاجئ هو التصريح الطالباني عن القدرة و الرغبة للوصول لطهران. كنت قلتُ بمقالةٍ سابقةٍ بأن استدارة أمريكا وحلفائها من أفغانستان لا تعني هزيمةً  بل إعادة توزيع القوة العسكرية الغربية وتهيئتها للمراحل القادمة.  وأن طالبان “المنتصرة” سَتُذعنُ وتناور للبقاء لیس كحركةٍ منبوذةٍ و لكن كدولةٍ مقبولةٍ لها دورٌ إقليمي. و أن

 الغرب لم یرَ منذ أكثر من قرن إلا خطراً بأبعادٍ كونیة یأتي من روسیا وتلتها الصین  و أن التركیز الاستراتیجي الغربي هو على تثبیت هذا الخطر والتنبؤ به وسَبْقِهِ في التسلح والتقنیة والانتشار المُحِّدِ له. و منذ الانسحاب الغربي من أفغانستان شهد العالم اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية و ازدياداً وثيقاً في التعاون الروسي الصيني الإيراني، و الصلح السعودي الإيراني و هي كلها تطورات مقلقةٌ للغرب، ولإسرائيل خاصةً، فيما يخص تعاظم الدور الروسي الصيني الإيراني الإقليمي و العالمي.

و كان توقعي أنه سیكون لأفغانستان الجدیدة القدیمة دوراً في الخاصرة المتوسطة، و يظهر أن الهدف الغربي على ذلك المستوى الإقليمي هو تحویل أفغانستان لمركزِ تخویفٍ لجيرانها وإبقاء هؤلاء الجيران منشغلين بها ما یزید الضغط عليهم سواء  في الجوار القريب أو في الأبعد في روسیا والصین، بینما تلتف أمریكا والحلفاء حولهم و تستعد لمسارح عملیات أُخرى.

طبعاً لم تشذ الطالبان عن الفتاوي التي تحط و تحد من دور المرأة في التعليم و العمل و من تقييد المجتمع لأسباب لا تخرج عن عمق التزمت الأعمى لإثبات سطوتها على الأضعف من الشعب الأفغاني و هي سياسةٌ تعتبرها داخليةً لكنها رسالةٌ للخارج عن “صمود” الفكر الطالباني تود أن تزرعهُ في الفهم الدولي لدرجة القبول على أنه ثقافةٌ و تراث، و أن مَدِّ وتيرةِ التعاون مع الطالبان رغم هذا الفكر لا يسوء الغرب. و هي غنمت سلاحاً غربياً تبذل الجهد لاستخدامه و لعل سقوط طائرةٍ عمودية أمريكية قبل أيام يدل على هذا وجنودها يتوقون لاستخدام هذا السلاح. و الغربُ يتجاهل الزاويتين الطالبيتين من مبدأ مصلحته، فإنَّ معاملةَ الداخل المهينة تستحق أن يُدينها و فقط، و التدريب على سلاحٍ كان و يبقى بالإمكان تدميره لا يدفع الغرب لأكثر من المراقبة، لأن الهدف المرسوم لأفغانستان، غربياً، و في أحلام الطالبان، أن يكون للبلاد الدور الإقليمي الذي يخدم مباشرةً و مداورةً إقلاق الجوار و التمدد المبني على الدين. لذلك كان من المثير نقل الخلاف الحدودي الذي كان يمكن أن يبقى محدوداً في التناول الإعلامي الطالباني لمنصَّاتٍ أخطر مثل التصريح برغبة الوصول لطهران، على استبعاد هذا لأسباب منطقية. الشكوى الحدودية بدأت بالمياه حين اتهمت طهران كابولَ بحجب المياه عبر تحويل نهرٍ يمر بأفغانستان و من ثم إيران و لا ينتهي بقضايا التهريب و المخدرات و الإرهاب و كلها شؤونٌ تتعامل معها الدول كل يوم. لكن الأخطر بالطبع هو تزويد الخلاف بالشعلةِ الشيطانية الطائفية حين تقف طالبان سُنِيَّةً و إيران شيعية و تسري نيران العداوة بوقود الطائفية. من المثير كذلك أن حدود إيران مع باكستان ليست أهدأ و فيها ما فيها من تحركاتٍ مصدرها أراضي الباكستان و تعتبرها إيران معادية. و أيضاً الخلاف الإيراني الأذربيجاني الذي افتتح علاقاتً مع “إسرائيل” والذي بينه و بين إيران خلافاتٌ حدودية سابقة و اليوم الاقتراب الصهيوني من اتجاهٍ جديد.  مبدأ الإحاطة بالعدو هو ما يتبعه الغرب في علاقاته مع الدول المعادية و ها نحن نرى الإحاطة بإيران و روسيا و الصين على كل قدمٍ وساق.

لا توجد دولة لا تعي ما حولها و ما يوفره الجوار من فرصِ تعاونٍ مشترك و مخاطر و كلها تستعين بالسياسة و بالقوة و التحالفات لاستثمار الفرص و درء المخاطر. و قد تتوازى كل هذه بنفس الوقت مع اتفاقٍ غير مكتوبٍ أو موثق بأن خلافات الحدود واقعُ أمرٍ يجب التعايش معه بموازاةِ علاقاتٍ تتعاطى مع الإيجابي و السلبي.  غير أن خلافات مناطقنا الممتدة منذ القرن الأول الهجري تسكنها هواجسٌ ومخاوفٌ و أطماعٌ ماديةٌ محسوسةٌ مثل موقع الأرض والثروات الطبيعية، و أُخرى أَثقَلَ وطأةً مثل الدينِ و الطائفةِ و الأصلِ.  و النوعين لم يتوقفا عن استيلاد الحروب و مقتل الآلاف عبر كل الدول الإسلامية. و لهذا فإن نظرتنا للحلم الأفغاني الداخلي و الخارجي، و شبيههُ الإيراني، و هما على ضفتي الطائفة، تقول أننا نرى إعادةً للتاريخ. لن تهدأ هذه الجبهة لا بسببِ هذا التنافس الإقليمي العِرقي الطائفي و لا بسببِ الاستثمار فيه من الغرب.

و ليسَ أمضىٰ سلاحاً من إشعالِ اشتباكٍ حدودي يتطور بسببِ إرث التاريخ لحربِ إشغالٍ بين العدويَّنِ فإن أفغانستان عدوٌّ و لو مالق الغرب و إيران عدوٌّ محقق بما صارت تمثله . هناك بالتأكيدِ عواملَ عديدةً قد تتدخلَ لكتمِ الخلاف لكننا حقاًّ ننظر لشفا حفرةِ جنونٍ.  و الحفرة تتسعُ لخللٍ كونيٍّ مظلم تأبى ومضاتُ العقلانية أن تُنيرَهُ بالتعقل. فكيف و صيحات استخدام السلاح النووي صارت علنيةً و موسكو تطالها الهجمات. ويقيني أن الحفرة تتعمق وأن التنافس على امتدادها، فالغربُ يدفعها للشرق و الشرق يدفعها للغرب. و نحن بينهما .

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى