أميركا وأوروبا بعيون عربية

كتب د. خالد أحمد الصالح في صحيفة الراي.
في خضم الصراعات المتجددة التي تشهدها المنطقة والعالم، يبرز سؤال ملحّ: من يمتلك الإرادة الأقوى للسلام؟ عند النظر إلى المواقف الدولية، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأميركية، رغم سجلها الحافل بالتدخلات السياسية والعسكرية، أظهرت في الآونة الأخيرة اندفاعاً أكبر نحو تبني مبادرات سلام، مقارنة بأوروبا، وبالتحديد فرنسا وبريطانيا.
الولايات المتحدة تدرك أن استمرار النزاعات، خصوصاً في الشرق الأوسط وأوكرانيا، يكلّفها مالياً وسياسياً، ويضعف صورتها أمام الرأي العام العالمي. لذلك، تتعامل مع ملفات السلام بجدية نسبية، مدفوعة باعتبارات المصلحة الإستراتيجية والانتخابات الداخلية وضغوط الرأي العام الأميركي، فالسلام بالنسبة لها ليس مجرد شعار، بل أداة لتقليل النزيف الاقتصادي والعسكري وضمان النفوذ في الساحة الدولية.
على الجانب الآخر، تبدو أوروبا ـ خصوصاً فرنسا وبريطانيا ـ أكثر تردداً، وأكثر ضعفاً في مواقفها، فباريس ولندن لا تتحركان غالباً بدافع إنهاء النزاع بقدر ما تتحركان بدافع تثبيت النفوذ التاريخي أو الدفاع عن مصالح محدودة النطاق.
ويُلاحظ أن الخطاب الأوروبي كثيراً ما ينحاز إلى المواقف الأخلاقية المعلنة، لكنه يفتقر إلى المبادرات العملية القابلة للتنفيذ. ولعل ما قامت به فرنسا تجاه لبنان يعطي أكبر دليل ومثال على حقيقة المواقف الأوروبية، فباريس تقوم منذ زمن طويل بالتدخل بالقضايا والصراعات الداخلية في لبنان، وتزوره قيادات فرنسية على مستوى رئيس الجمهورية، يتبعها كثير من اللقاءات والوعود، وينتظر اللبنانيون النتيجة التي تعيد لبلدهم عناصر الدولة المبعثرة، ولكن أملهم يخيب، ويبقى الوضع على ما هو عليه، وكأن فرنسا هي وجه دعائي يقول للعالم «أنا هنا» من دون أن تملك قوة تأثير حقيقية تعيد للبنانيين حلمهم بإعادة الدولة لهم…
اليوم يتضح بعد المتابعات الطويلة الفرق بين أوروبا وبين الولايات المتحدة الأميركية.
الفارق بين الطرفين يتضح في أسلوب التعاطي: واشنطن تمتلك أدوات ضغط فعّالة، من الاقتصاد إلى النفوذ السياسي والعسكري، وتستخدمها أحياناً لدفع الأطراف نحو طاولة المفاوضات. أما أوروبا، فهي تفتقد القوة التنفيذية نفسها، ما يجعل خطابها للسلام مجرد «نوايا» أكثر منه «إرادة».
إنّ الولايات المتحدة، ورغم الانتقادات الموجهة لها، تبدو أكثر وعياً بضرورة الوصول إلى حلول، لأنها المعني الأكبر باستقرار النظام الدولي الذي تقوده. أما أوروبا، فلا تزال أسيرة الحسابات التاريخية والمحدودية الإستراتيجية، ما يضعف إرادتها أمام إرادة واشنطن للسلام.
أتمنى أن تتوقف المحطات الفضائية العربية عن نقل تصريحات باريس ولندن التي تتناول قضايا أمتنا، فهي مجرد إعلانات غير مدفوعة الثمن لتلك الدول.




