90 مليار يورو لا تغير مسار الحرب، لكنها تمنع خسارة أوكرانيا في الوقت الراهن

كتب شون أوغرايدي في صحيفة إندبندنت.
إحدى الطرق لقياس نجاح أي مبادرة أوروبية في حرب أوكرانيا هي النظر إليها من زاوية الكرملين. ففي مؤتمره الصحفي السنوي المطوّل، بدا فلاديمير بوتين في حالة مزاجية جيدة وهو يتحدث عن “عمليته العسكرية الخاصة”، من دون أن يظهر أي انزعاج واضح من قرض التسعين مليار يورو الذي اتفق عليه قادة الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف، ولا من “الخنازير الصغيرة”، وهو الوصف الذي يحب بوتين إطلاقه عليهم.
لم يكن هذا مشهد رجلٍ يميل إلى السلام، وهو يسترسل أمام الصحافيين في الحديث عن مجموعات الاقتحام، ومواقع القتال، والمكاسب الإقليمية التي تحققت بشق الأنفس. بل بدا في الواقع رجلاً يستمتع بالمعركة، حتى عندما لا تؤدي “مفرمة اللحم” الخاصة به إلى نتائج مبهرة: ربما أكثر من مليون إصابة، منهم نحو 100 ألف قتيل. وهذه ليست المرة الأولى التي يقلل فيها زعيم روسي من قيمة الحياة البشرية.
فهل سينتصر قرض أوروبا البالغ 90 مليار يورو في هذه الحرب؟ ربما لا. وما سيحدث هو على الأرجح استمرار للنهج الذي تبناه ما كنا نسميه سابقاً “الغرب” منذ لحظة مفصلية في عام 2022، عندما بدا أن الدبابات الروسية لن تدخل كييف، وأن فولوديمير زيلينسكي لن يفر، وأن الأوكرانيين سيقاومون بشجاعة.
تمثّل نهج الأوروبيين والأميركيين في عهد جو بايدن بتزويد الأوكرانيين بما يكفي من المال والمعدات كي لا يخسروا الحرب، لكن من دون منحهم ما يكفي للفوز بها. كما جرى اعتماد مقاربة مترددة مماثلة لخنق الاقتصاد الروسي، وبالتالي آلة الحرب الروسية، وهو ما خفّف الضغط على بوتين بدلاً من تصعيده. وحتى اليوم، ومع اقتراب الذكرى الرابعة لاندلاع هذه الحرب، ما زالت بعض الدول الأوروبية تستورد الغاز الروسي.
وفي حين تنفق روسيا وأوكرانيا ما بين 20 و50 في المئة من دخلهما القومي على الدفاع، تعجز أوروبا عن تخصيص حتى 3 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي لمساعدة أوكرانيا على الانتصار وردع الروس. وينفق الأوكرانيون نحو 15 مليار يورو شهرياً في محاولة إنقاذ وطنهم، فيما تقترب مواردهم من النفاد. ومن المفترض أن يكفي قرض الاتحاد الأوروبي لعام أو عامين، ما يشتري لهم مزيداً من الوقت لاحتواء الروس، لكنه لا يرقى إلى إحداث أي تقدم عسكري حاسم. ما هو مطلوب هو ضخٌّ نوعي من الأموال والإمدادات العسكرية المتقدمة – على الفور.
فلو بادرت أوروبا، على سبيل المثال، إلى اتخاذ خطوات فورية أكبر لحماية البنية التحتية الأوكرانية، وتعويض النقص بالطائرات المسيّرة، لكان من الممكن تحقيق نصر أسهل في هذه الحرب. نحن بحاجة إلى شراء هذه المنظومات وتركيبها من الأميركيين، طالما أن دونالد ترمب لا يزال مستعداً لتزويدنا بها. يضاف إلى ذلك أن أوكرانيا تعاني أيضاً من نقص متزايد في عدد المقاتلين.
لكن الأوروبيين، الذين لا يزالون غارقين في قدرٍ مفرط من التراخي والارتباك، لن يقدموا على أيّ من ذلك. فكما جرى تداوله منذ سنوات، كان في إمكانهم مصادرة نحو 200 مليار يورو من الأصول المالية المجمدة، الموجودة في مركز المقاصة المالية في بروكسل. غير أن البلجيكيين، ولأسباب مفهومة، لم يرغبوا في تعريض أنفسهم لاحتمال الانتقام من الكرملين. كذلك لا تبدي المجر أو التشيك أو سلوفاكيا أي استعداد لدعم أوكرانيا من الأساس – ولعلهم يحتفظون بذكريات ودية عن احتلالهم السوفياتي السابق – وهو ما حال دون توصل الاتحاد الأوروبي نفسه إلى توافق على الإجراءات الجذرية اللازمة لتعزيز صمود أوكرانيا على المدى الأطول. هذه ليست طريقة لكسب حرب.
أفضل أملٍ متبقٍ لأوروبا وأوكرانيا لتحقيق نصرٍ ما في هذا الصراع يتمثل في الانهيار الكامل للاقتصاد الروسي المتعثر، ومعه آلة الحرب، بما يفرض على موسكو التراجع. يرى البعض أن الأمر مسألة وقت لا أكثر، حتى مع مساعدة الصين والهند وإيران في إبقاء الاقتصاد الروسي قائماً. إن هزيمة روسيا – وهي ليست مستحيلة بأي حال – ستكون نقطة تحول تاريخية كبرى، وستقضي على الموجة الراهنة من الإمبريالية الروسية لفترة طويلة. وقد تتحول أوكرانيا، بفضل جيشها الكبير وخبرتها في حرب الطائرات المسيّرة، إلى خط الدفاع الأمامي للأمن الأوروبي، بما يشكل ثقلاً موازناً هائلاً لروسيا ويُبقيها تحت السيطرة.
ومع ذلك، فإن كل ما يراه الكرملين اليوم هو اتحاد أوروبي منقسم وضعيف على نحو ميؤوس منه، وحلف شمال الأطلسي ممزق بشكل قاتل بفعل افتتان دونالد ترمب بإبرام الصفقات مع روسيا وتحقيق أرباح طائلة. صحيح أن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة إلى الروس، لكنهم نجحوا في تقديم عرض على طريقة “بوتيمكين” [استعراض زائف للقوة يخفي واقعاً مختلفاً، في إشارة إلى القرى الوهمية للأمير الروسي بوتيمكين] لقوة عسكرية زائفة، ووحدة وطنية، وعزيمة مصطنعة، مستفيدين من أحد المجالات القليلة التي يتقنونها: نشر الدعاية المؤيدة للكرملين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتبدو الاستراتيجية الرقمية الراهنة، المعتمدة على جيوش من الروبوتات الإلكترونية، موجَّهة إلى طرح سؤال على الرأي العام في الغرب عما إذا كانوا مستعدين لإرسال أبنائهم وبناتهم للموت من أجل أوكرانيا، على رغم أن هذا ليس ما يُطلب من أحد في الواقع. وما يسعى الروس إلى فعله، بعدما نجحوا فعلياً في دفع الولايات المتحدة إلى تغيير موقفها، هو تقويض عزم أوروبا على تحمل التضحيات اللازمة لردع الهيمنة الروسية على قارتنا ومقاومتها، وبث الخوف من هذا “الدب الورقي”. والمأساة أن الروس لا يحتاجون إلى بذل جهد كبير لإجبار الأوروبيين – إن لم يكن الأوكرانيين – على الاستسلام.




