كاليفورنيا تحترق لأشهر سنويا… وقريبا تلقى أوروبا مصيرها.
كتب ديفيد كالاواي في إندبندنت.
تلقيت على هاتفي، تماماً شأن غيري من أصحاب الهواتف، رسالة نصية من شرطتنا المحلية خارج سان فرانسيسكو. أعدت قراءتها مرتين علّني أفهم فحواها. “أمر بالإخلاء- وايلدفلاور كورت والحي المحيط. النيران مشتعلة. غادر الآن”.
شكلت حرائق الغابات بالفعل جزءاً من حياتنا اليومية في شمال كاليفورنيا في ذلك الصيف من عام 2020، ولكن لم يخطر في بالي أبداً أنها ستقترب من منطقتنا. لم يحدث ذلك أبداً حتى نشب حريق على التل فوق مكان إقامتنا ذلك الصباح.
وأعادتني تلك الفورة المفاجئة من الهلع- فيما كانت زوجتي ما زالت نائمة- وفيما كنت ألملم الهواتف المحمولة والمحفظات ومفاتيح السيارة، أعادتني بالذاكرة إلى لحظة هروبي من حريق ضخم ضرب لوس أنجليس قبل أشهر فقط أثناء حضوري مؤتمر عمل في أحد الفنادق الراقية. كنت مستلقياً على السرير عند الفجر، وفيما رحت أفكر في مناقشات اللجنة الصباحية، أمسكت هاتفي كي أتفقد رسالة نصية وصلتني من منظم المؤتمر. كانت تقول، “لقد أُلغي المؤتمر اليوم. النار تقترب. بالتوفيق.”
الأسبوع الحالي، شعر السائحون والسكان في ثلاث جزر يونانية على أقل تقدير، من بينها رودس وكورفو، بالذعر عينه الذي لا ينفك يجتاح نفوسنا في كاليفورنيا منذ سنوات مع نهاية كل ربيع وحلول الصيف، وتدفق الأدرينالين في عروقهم. كذلك لم تختلف الحال في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا، وعشرات البلدان الأخرى. فصول الصيف المتواصلة أسفرت عن حالات طارئة متناسلة من الحرائق، ومرد ذلك إلى الاحترار العالمي.
ما يربو على 200 من حرائق الغابات تستعر في أميركا حالياً، وفق “مركز الحرائق والطقس والانهيارات الجليدية” في الولايات المتحدة. تنوء كندا تحت وطأة 900 حريق تقريباً، فيما امتد الدخان المنبعث منها عبر الحدود إلى مدن عدة من بينها نيويورك وواشنطن العاصمة. في أوروبا، اندلعت الحرائق في اليونان وإيطاليا الأسبوع الماضي مع ارتفاع درجات الحرارة حتى 45 درجة مئوية، فما فوق. تقترب درجات حرارة المحيط من مستويات حوض الاستحمام الساخن في فلوريدا، بحسب ما ذكرت تقارير إخبارية.
أما العلماء، فيزعمون أن الحرارة الشديدة والحرائق، التي صارت مستعرة وأضخم، سببها بشكل شبه مؤكد انبعاثات الكربون الناجمة عن أنشطة الإنسان البشرية في الثلاثين عاماً الماضية.
والحق يقال: مدى سوء حالنا اليوم، هو صنيعة ما أنزلته أيدينا بالبيئة. أما الضرر الكامل الذي سيترتب عن [انبعاثات الكربون] التي سنطلقها هذا الصيف، والعام المقبل، والعام الذي يليه فحسب، فلم يتبدّ بعد.
في الوقت نفسه، تسبب ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا باضطرابات انتخابية من فنلندا إلى إسبانيا، مع صعود التأييد الشعبي لمناهضة الهجرة وبروز السياسيين المعارضين للسياسات الرامية إلى حماية البيئة أو تحسينها. وفي المملكة المتحدة، تبحث حكومة المحافظين في إمكانية التراجع عن المبادرات الخضراء المكلفة من أجل كسب التأييد الشعبي، مع احتمال أن يشكل تغير المناخ إحدى القضايا الكبرى في الانتخابات العامة البريطانية العام المقبل.
موسم السفر في الصيف، علماً أنه تقليد مكرس في أوروبا، يتغير أمام أنظارنا إذ يتأكد أن المواقع التي نقصدها في العادة مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال صارت فائقة الحرارة وبالغة الخطورة. وتفيض الصحف ومواقع السفر بإعلانات كثيرة عن عطلات في الجزر الدنماركية أو السويد.
في لندن، حيث قضيت الأسبوع الماضي، أغدق علينا الطقس المشمس والنسيم المعتدل بواحد من أفضل المناخات في العالم الآن. وعادة لا يتوقع المرء أن يسمع مثل هذه الأنباء الواردة عن لندن. ومع ذلك، قبل عام، عندما بلغت درجات الحرارة 40 درجة مئوية في إنجلترا في يوليو (تموز)، اشتعلت مئات الحرائق في مختلف أنحاء البلاد.
ولكن في الحقيقة، العطلات ليست شاغلنا الأول. ففي كاليفورنيا وفلوريدا العرضة للفيضانات، يفقد السكان التأمين على منازلهم، إذ تواجه شركات التأمين تكاليف متعاظمة مترتبة على الكوارث. وشهدت الولايات المتحدة 12 كارثة مناخية/ طقسية حتى منتصف شهر يوليو، فيما سجل العام الماضي 18 كارثة، و22 كارثة في 2020 محطماً الرقم القياسي، وفق “الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي” (NOAA).
وتنجم عن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة والحرائق والفيضانات أكثر فأكثر أزمة مالية بالنسبة إلى الشركات والحكومات والمستهلكين. والأسبوع الحالي، نبّه “تشاتام هاوس”، مركز البحوث البريطاني المرموق، إلى أن ظروف “تعديل مرير” في الأسواق المالية آخذة في التطور. وأشار إلى احتمال نشوب أزمة غذائية بسبب القيظ الذي يشهده هذا الصيف، في وقت تذبل المحاصيل وتهلك الماشية. كذلك ذكر أن معدلات الأمراض الناجمة عن الطقس الحار ستتفاقم، مشيراً إلى تأثير الكوارث المناخية هذا الصيف على أسواق العقارات. ويبدو أن هذا المسار، إذا ثبتت صحته، سيكون مشؤوماً.
حروبنا الثقافية الحالية بشأن تغير المناخ تصدع على وجه السرعة بواقع سياسي قاتم. ربما ما زلنا نملك ترف التصويت لمصلحة المبادرات الخضراء الصديقة للبيئة أو ضدها، ولكن في مرحلة ما، ستُفرض علينا.
عندما انتقلت إلى كاليفورنيا قبل عقدين من الزمن، بدأ موسم الحرائق، كما يسمونه في العادة، في منتصف سبتمبر (أيلول) واستمر نحو شهر. في أيامنا هذه، يمتد هذا الموسم من هطول الأمطار الأخيرة في منتصف أبريل (نيسان) حتى نزول الأمطار مرة أخرى في أواخر أكتوبر (تشرين الأول). بدورنا، نتعلم أن نتكيف مع هذه الظروف. كذلك ستفعل أوروبا. ستتغير أساليب السفر. ستتبدل أوجه الهجرة. ستشهد الاتجاهات التجارية تحولات في ظل تفاقم الأخطار المالية. وسترتفع التكاليف. وتكثر القصص الغريبة من أجل البقاء على قيد الحياة.
في بحيرة تاهو [في منطقة سييرا نيفادا بالولايات المتحدة] قبل صيفين، صوب العمال المذعورون في منطقة التزلج مسدسات الثلج [آلات صنع الثلج] في محاولة يائسة لصد ألسنة اللهب عن إتلاف نزل ومعدات للتزلج. ويحاول أصحاب المشاريع الناشئة استخدام طائرات درون مسيرة للسقي وإعادة زرع الغابات.
ولا يعرف أي كان مدى السوء الذي ربما تؤول إليه الحال، أو الشكل الذي ربما تتخذه بالإضافة إلى الحرارة والفيضانات والحرائق المهولة. ولكنهم يعرفون أن هذه الحال ستتفاقم. ومع ذلك، تبدو مهولة قدرتنا على التكيف مع هذا الواقع الجديد من دون أن نحرك ساكناً للمساعدة في ردعه. تزعجنا تظاهرات حركة “جاست ستوب أويل” Just Stop Oil [أوقفوا إنتاج النفط]. ونرفض فرض مزيد من الضرائب أو المبادرات المكلفة، على رغم أن تغير المناخ على عتبة بابنا [ديارنا].
علماً أن تلك النيران لم تبلغ منطقتنا أبداً في 2020. فرجال الإطفاء أخمدوها فوراً، حتى قبل أن نضطر إلى إخلاء منازلنا. لقد كان الحظ حليفنا، ولكن قد لا نكون على هذا القدر من الجاهزية [قد لا يحالفنا الحظ] في المرة المقبلة. وهي آتية لا محال.