فيروس كورونا طويل الأمد عصف بحياة من أصابهم.
معذورون إن اعتقدتم، بعد مرور أربع سنوات تقريباً على بداية انتشار وباء فيروس كورونا، بأن صفحة الجائحة قد طويت. لكنها لم تنته أبداً بالنسبة إلى كثيرين.
إذ يعيش نحو مليوني شخص تقريباً صراعاً يومياً مع أعراض “كوفيد” طويل الأمد التي تستنزف قواهم- وهي أعراض دائمة للفيروس تبقى مع الإنسان بعد زوال الإصابة بكثير- فيما أصبح بعضهم الآن طريح الفراش، غير قادر على السير أو حتى مصاباً بعمى جزئي.
ومن بين الأشخاص الذين يعانون من المرض منذ سنوات آلن تشامبرز، 49 سنة، وآلن ريلينغ، 76 سنة، وقد أصيبا بفيروس كورونا في مارس (آذار) 2020، بعد شهرين من تأكيد أول إصابتين بالفيروس في المملكة المتحدة.
بعد أن كان السيد تشامبرز شخصاً “بصحة جيدة وعضواً عاملاً [منتجاً] في المجتمع مستعداً لمساعدة الجميع بكل الطرق” أصبح “مريضاً ومعزولاً في غرفة النوم”، ومصاباً بالعمى في عين واحدة وعاجزاً عن السير من دون مساعدة، كما قالت زوجته فيكي.
كما يعاني الأب لولدين من آلام “مبرحة” وأوجاع “مستمرة” في رأسه وإرهاق مزمن وعدم انتظام في دقات القلب.
قبل إصابته بـ”كوفيد”، كان السيد ريلينغ من تلفورد في شروبشير يقصد النادي الرياضي خمس مرات أسبوعياً. إنما الآن، اشتدّت مشكلاته مع التوازن، إلى جانب أعراض أخرى، لدرجة أنه قد “يقع على وجهه” إذا ما حاول الوقوف، وهو “متجمد ومتصلّب ومنهك طوال الوقت” وقد بات يسمع صوت “عواء” في أذنه اليسرى شُخّص بأنه طنين في الأذنين.
وروى لـ”اندبندنت” محنته قائلاً “أطاح [الفيروس] بآخر ثلاث سنوات ونصف من حياتي، وسوف يدمّر عمري الباقي حتى يُقفل عليّ التابوت. لم أتوقع أن أتدهور سريعاً، لكنني أعتقد الآن بأنني أمضي بسرعة نحو الهاوية”.
“لا أرى أي تحسن في هذا الوضع. أريده أن ينتهي لكنني لا أرى ذلك في الأفق. وكل يوم، أشعر بأنني في حال مزرية. الوضع بالغ السوء ومنهك ومثير للإحباط”.
اعتباراً من مارس، عانى نحو 1.9 مليون شخص في المملكة المتحدة من أعراض فيروس كورونا لمدة زادت على أربعة أسابيع، وفق أحدث معطيات مكتب الإحصاءات الوطنية. وأفاد 1.5 مليون من بين هؤلاء أنّ حالتهم أثّرت سلباً في نشاطهم اليومي.
في هذه الأثناء، كشفت دراسة كبيرة وحديثة ترأسها باحثون في الكلية الملكية بلندن Imperial College أن مريضاً من كل عشرين يعاني من أعراض تستمر أكثر من عام.
وتأتي النتائج في وقت ارتفعت معدلات الإصابة الإجمالية بفيروس كورونا منذ يوليو (تموز)، فيما يسود الخوف من أن ترتفع هذه المعدلات أكثر مع الشتاء الوشيك.
لكن في مايو (أيار)، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا ما عاد يمثّل حالة طوارئ عالمية في ما اعتُبر خطوة رمزية نحو نهاية الجائحة.
في المقابل، قالت الدكتورة جو هاوس، العضو المؤسس والمسؤولة عن التوعية الصحية في منظمة دعم مكافحة “كوفيد” طويل الأمد Long Covid Support والمسؤولة عن التوعية الصحية في المنظمة إن المجموعة تضم الآن 62 ألف عضو، وينضم إليها نحو 250 شخصاً إضافياً كل شهر.
وأشارت الدكتورة هاوس التي تعاني وزوجها شخصياً من “كوفيد” طويل الأمد بعدما التقط الثنائي العدوى من جار كانا يساعدانه في مارس 2020 يشعرون، بحسب تعبيرهم، بأنهم “منسيون وصوتهم غير مسموع ولا أحد يصدّقهم ومعزولون وعاطلون من العمل ولديهم إعاقة وغير قادرين على الحركة”.
كشفت دراسة نشرتها مجلة “لانسيت” الطبية في 2021 أن أعراض “كوفيد” طويل الأمد تفوق المئتين. وقالت الدكتورة هاوس إنها وثّقت وجود أعراض في أوساط المرضى تتراوح ما بين عدم القدرة على الحركة إلى تساقط الشعر ومشكلات في الرؤية، ووصفت ذلك على أنه “مرض يتسبب بأضرار في عدة أعضاء بالجسم ويضرّ بالخلايا في كل أجهزة الجسم”.
وفي معرض حديثها عن أثر هذه الحالة المرضية على حياتها وحياة زوجها، أضافت الدكتورة هاوس “اعتقدنا بأننا على فراش الموت وكتبنا رسائل لأولادنا. احتجنا إلى سنة تقريباً قبل أن نتمكن من الخروج من المنزل. حتى الآن، استأنفت العمل بنسبة 40 في المئة، وما زال أولادنا يعتنون بنا. بعد مرور ستة أشهر كنت بالكاد قادرة على مغادرة السرير”.
على رغم تدهور حالتها الصحية، كتبت مع عدد من خبراء الطب مراجعة عن “كوفيد” طويل الأمد في أكتوبر (تشرين الأول) 2020. وقد استمعت لجنة التحقيق في “كوفيد” التي تُراجع استجابة الحكومة للجائحة هذا الشهر إلى أن رئيس الوزراء في ذلك الوقت، بوريس جونسون، اعتبر أن هذه الحالة “هراء” [لا يعتد بها].
“نشعر حقاً بأننا منسيون”، كما قالت رايتشل إلينغوورث، 37 سنة، التي “أنهكها” “كوفيد” طويل الأمد طيلة عامين أو أكثر، مضيفة أنها اضطرت للجوء إلى منتديات الموقع الإلكتروني “ريديت” لكي تتبادل اقتراحات العلاج مع آخرين يعانون من المرض نفسه بسبب نقص الدعم من نواحٍ أخرى.
أقرّت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في حديثها مع “اندبندنت” بوجود نقص في إمكانية الوصول إلى الدعم والعلاج والعناية المناسبة لمرضى “كوفيد” طويل الأمد. وقالت الهيئة “يجب بذل المزيد من الجهود في سبيل ضمان توفير الدعم لكل من يحتاجه”، ولكي يتمكّن المرضى الذين يحتاجون إلى تقييم وعلاج من أخصائي بسبب إصابتهم بـ”كوفيد” طويل الأمد أن يحصلوا على هذا العلاج في الوقت المناسب.
بعد إصابتين طفيفتين بـ”كوفيد”، قالت السيدة إلينغوورث من بايزينغستوك في هامبشير، إنها أصيبت بإنهاك، وضيق نفس، وضبابية أو تشوش في الدماغ [ضباب الدماغ وعجز عن التركيز] أشعرها بأن ذهنها “يعمل بصعوبة كما لو أنه يسير عبر سائل لزج”.
بعد أن كانت رياضية ونشيطة، وصل بها الحد في أسوأ حالاتها مع المرض إلى المعاناة لصعود درج والعجز عن التنفس. حتى أنها عانت من صعوبات في الطهي والنهوض عن الأريكة.
استأنفت العمل بعد غيابها عنه لمدة شهر، وتحدثت عن إحدى المرات التي انهارت فيها بكاءً. “أخذت أحدّق في الكلمات من دون أن أتمكّن من تشكيل عبارة تامة. عرفت ما المطلوب مني إنجازه لكنني عجزت عن تحريك مربّع النصّ على برنامج “باور بوينت”. أخذت أبكي لأن الموضوع منهك – ليس جسدياً فقط، بل ذهنياً كذلك. اضطررت إلى تغيير طريقة حياتي تماماً”.
على رغم ذلك، أوضحت السيدة إلينغوورث أنها وجدت صعوبة في دفع الأطباء إلى تصديقها أو دعمها. وتكلمت عن “محاولة تلاعب طبية بعقلها” بشأن الحالة التي عانت منها ودرجة خطورتها.
وتشرح البروفسورة هاوس أن النصيحة التي أسديت للسيدة إلينغوورث ومفادها، أن كل ما تحتاج إليه هو تغيير طريقة حياتها، “شائعة جداً للأسف. فأشخاص كثيرون يتعرضون للخذلان”. وأضافت بأن ما تبيّنه استطلاعات آراء مرضاها هو أنه بالنسبة إلى البعض، عدم تصديقهم أسوأ عليهم من أعراض “كوفيد” طويل الأمد. كما علّقت بأنها شخصياً من بين الذين قيل لهم إن أعراضهم ناجمة عن القلق فحسب.
أما السيد ريلينغ، فأخبره أطباؤه بأنه “لا يمكننا أن نفعل أي شيء حيال ذلك. ما عليك سوى أن تواصل حياتك وتتعلم كيف تتعايش مع الموضوع”.
لا يتوافر أي دواء يشفي “كوفيد” طويل الأمد، وهو يخلّف تأثيرات مختلفة على الأشخاص، لكن جل ما يسع المصابين به التعويل عليه هو أخذ العلاج في محاولة للتعامل مع الأعراض على أنواعها.
ومن جهتها، قالت السيدة تشامبرز من ورشستر أيضاً “لقد حاربنا بشدة في سبيل تلقّي المساعدة لكن لا أحد يفعل ما يُذكر”.
تعاني العائلة من ضائقة مادية، وتعمل السيدة تشامبرز بدوام كامل أثناء عنايتها بزوجها. قالت إنها أسست مجموعة دعم على “فيسبوك” تُدعى “الدعم لمصابي كوفيد طويل الأمد”، لمساعدتها على التأقلم مع حالة القلق الشديد التي تعاني منها.
وينضمّ السيد تشامبرز إلى فئة عشرة في المئة من الأشخاص المصابين بالحالة والمجبرين على التوقف عن العمل- وهو ما يتسبب بخسارة إيرادات تبلغ 1.5 مليار دولار سنوياً وفقاً لمعهد الدراسات الضريبية، في إشارة إلى الأثر الدائم على اقتصاد بريطانيا.
من أجل [حمل راية] أشخاص مثل السيدة إلينغوورث والسيد ريلينغ والدكتورة هاوس والثنائي تشامبرز كما هو شخصياً، أسّس آرون كامبل، 29 سنة، المصاب هو أيضاً بـ”كوفيد” طويل الأمد، حملة تبرعات على موقع GoFundMe لإطلاق حملة إعلانية على لوحات تنتشر في كل أنحاء البلاد، من المفترض أن تظهر أول واحدة منها في يورنموث هذا الأسبوع.
هذا يزيد الضغط على الحكومة البريطانية التي تلقت إلى الحين أكثر من 74 ألف رسالة تطالبها بالتصدي لأزمة “كوفيد” طول الأمد كجزء من حملة أطلقها مشروع التحرك ضد كورونا طويل الأمد.
وقال السيد كامبل إن مسار حياته “تغير بالكامل” بسبب تأثيرات الفيروس على المدى البعيد، وعانى من تساقط الشعر “بشكل كثيف” وصداع وإرهاق وارتفاع [تسارع] في ضربات القلب.
وتكلم الشاب ذو التسع وعشرين عاماً عن الأفق “القاتم” في حياته. “وضعت في السابق مخططات لمسيرتي المهنية وللسفر لكن ما يقلقني هو أن تأخذ حياتي هذا الشكل فحسب- أن أبقى بانتظار علاج قد لا يأتي أبداً”.
تعقيباً على الموضوع، قال ناطق باسم هيئة الخدمات الصحية الوطنية “خلال السنوات الثلاث الماضية، خصصت هيئة الخدمات الصحية في إنجلترا استثمارات كبيرة في سبيل دعم المصابين بكوفيد طويل الأمد، ويشمل ذلك تأسيس أكثر من 100 عيادة متخصصة ساعدت أكثر من عشرة آلاف شخص يعاني من آثار كوفيد بعيدة المدى، على الصعيد الجسدي والإدراكي والنفسي”.
ومن ناحيته، قال ناطق باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، في معرض مناشدته جميع المؤهلين لتلقي اللقاح أو الجرعة المعززة أن يتلقوها حين توافرها “نعلم بأن كوفيد طويل الأمد قد يخلّف تأثيراً منهكاً ولذلك ندعم علماؤنا وهم الأفضل في العالم، بأكثر من 50 مليون جنيه لكي نتوصل إلى فهم أفضل حول الآثار بعيدة المدى لهذا الفيروس ونوفّر العلاجات له”.
كما حثّت وزارة الصحة وهيئة الخدمات الصحية أي شخص قلق من الأعراض بعيدة المدى أن يتواصل مع طبيب الصحة العامة الذي يراجعه أو زيارة موقع التعافي من “كوفيد” Your Covid Recovery الذي أسسته هيئة الخدمات الصحية، للحصول على المزيد من الإرشادات بشأن الدعم المتاح له.