رأي

المباحثات الأميركية – الإيرانية: تعقيدات في المشهد السياسي!

كتب د. عبدالله سهر في صحيفة الراي.

إذا صحت الأنباء المتواترة بشأن المحادثات التي جرت بين مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ومبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاص، ستيف ويتكوف، بوساطة عُمانية، فإننا أمام مشهد سياسي معقد وغير مألوف بلا شك!

تشير وسائل إعلام غربية وعربية، وبعض المنصات الإيرانية شبه الرسمية، إلى أن اللقاء «المعلن» الأول بين الجانبين اتسم بالإيجابية، حيث جرى بسلاسة وانتهى بالاتفاق على لقاء جديد بعد أسبوع. كما تناقلت تلك الوسائل أن المبعوث الأميركي طلب مرافقة الوزير الإيراني إلى طهران لعقد سلسلة لقاءات، بالإضافة إلى نقل رغبة الرئيس ترامب بزيارة طهران ولقاء مرشد الثورة، إلا أن الجانب الإيراني فضّل تأجيل النظر في هذا الطلب.


ووفقاً لما أوردته الأنباء، أبدت الولايات المتحدة استعدادها لاستثمار ما يزيد على أربعة تريليونات دولار في السوق الإيرانية فور توقيع اتفاق شامل.

ورغم تواتر هذه الأخبار، لم يصدر نفي رسمي من الحكومتين الأميركية أو الإيرانية، ما يعزّز من مصداقيتها، لا سيما في ظل الاتفاق على عقد لقاء قريب. بصرف النظر عن تلك الأخبار المتواترة، فإن هذا الحدث يمكن أن يقود إلى احتمالين رئيسيين قد تحملهما الأيام المقبلة:

الاحتمال الأول: فشل المباحثات نتيجة تصاعد تأثير التيار المتشدد داخل الحكومة الإيرانية، والذي لا يثق في النوايا الأميركية، إضافة إلى رفض التيار الصهيوني الموالي لإسرائيل الذي يضغط على إدارة ترامب للمضي في التصعيد العسكري ضد طهران.

الاحتمال الثاني: نجاح المحادثات، والوصول إلى تفاهمات أولية بشأن الملف النووي، والعقوبات الاقتصادية، والأرصدة الإيرانية المجمدة، على أن تتبعها تفاهمات أعمق قد تفضي إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

في حال تحقق الاحتمال الأول، فإن النتائج ستكون كارثية على الصعد الاقتصادية والعسكرية والسياسية والبيئية، ليس فقط على إيران وأميركا، بل على كامل المنطقة الخليجية بالدرجة الاولى. إذ ستكون المواجهة العسكرية مدمّرة، ولن يتردد الطرفان في استخدام أقصى ما لديهما من قدرات لإلحاق الأذى بالآخر. ومن السيناريوهات المحتملة حينها، تهديد طرق الملاحة البحرية في الخليج والمحيط الهندي، واحتمال امتداد المواجهة إلى قواعد أميركية في دول الجوار، إضافة إلى دخول أطراف مرتبطة بإيران في مرمى الاستهداف الأميركي، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية والبيئية الكبيرة.

أما إذا تحقق الاحتمال الثاني، فسنكون أمام مشهد جديد تتشكل فيه معادلات سياسية وأمنية واقتصادية ذات أبعاد متناقضة. بعض هذه التداعيات ستكون إيجابية للطرفين الأميركي والإيراني، لكنها قد لا تصب في مصلحة بعض دول المنطقة، إذ من الممكن أن تسفر التفاهمات عن «محاصصة نفوذ» بين الطرفين على حساب قوى إقليمية أخرى، ما يؤدي إلى اختلالات في موازين القوى، وبالتالي تهديد للمنظومات الأمنية التقليدية التي تحكم الإقليم.

وإذا ما وضعنا هذا المشهد تحت مجهر التحليل الإستراتيجي في العلاقات الدولية، فإن السؤال المنطقي هو: لماذا تسعى إدارة ترامب إلى إبرام اتفاق سريع مع إيران، يبدو وكأنه يقدم الكثير من التنازلات؟ من المؤكد أن أحد دوافع الإدارة الأميركية هو منع إيران من امتلاك سلاح نووي، كما تسعى لتحقيق إنجاز دبلوماسي كبير يصفع به وجه أنداده السياسيين لاسيما الديمقراطيين، وربما يرشحه لجائزة نوبل للسلام. لكن الأهم من ذلك أن هذا التحرك قد يكون مدفوعاً باعتبارات إستراتيجية أشمل، تتعلق بمواجهة تنامي النفوذ الصيني.

إن الإستراتيجية الأميركية اليوم تركز بدرجة أولى على احتواء الصعود الصيني العالمي الذي يقوم على دعائم تجارية واقتصادية جيوسياسية، لا سيما مشروع «الحزام والطريق»، الذي يعبر من آسيا إلى أوروبا وأفريقيا. وقد سعت واشنطن على مدار السنوات الماضية إلى عرقلة هذا المشروع، خصوصاً عبر تقليص فرصه في منطقة الخليج، من خلال اتفاقيات ثنائية ومشاريع بديلة. ولم يتبق للصين سوى المعبر الإيراني كمنفذ رئيسي للوصول إلى العراق والخليج. من هذا المنطلق، قد يكون من أهداف واشنطن في هذا الاتفاق هو قطع الطريق أمام بكين في التمكن من هذه المنطقة.

لكن، هل الإيرانيون مستعدون للمراهنة على واشنطن على حساب تحالفهم مع الصين؟ على الأرجح لا. فالإيرانيون بارعون في إدارة توازنات القوى، ويجيدون توظيف التناقضات السياسية لتعزيز مصالحهم. ومن المؤكد أن الورقة الصينية حاضرة «ذهنياً» في عقول الحاضرين على طاولة المفاوضات، حتى وإن لم تطرح بشكل مباشر.

وفي الختام، وبعيداً عن التسرع في الأحكام، يمكن القول بثقة إن المشهد المقبل سيكون شديد التعقيد، ويحمل في طياته معادلات سياسية جديدة، تفرض على دول المنطقة إعادة التفكير بعمق في منظومات أمنها القومي وإستراتيجياتها المستقبلية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى