حروب وأزمات على طاولة منتدى قطر الاقتصادي
سيطرت تداعيات الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، والمخاطر الجيوسياسية، على محاور جلسات منتدى قطر الاقتصادي، الذي انطلقت نسخته الرابعة في العاصمة الدوحة أمس الثلاثاء، تحت شعار “عالم متغير – اجتياز المجهول”، بالتعاون مع وكالة “بلومبيرغ”. تقدم الحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وسط حضور دولي بارز ومشاركة عدد من رؤساء الدول والحكومات.
وكان من بين المتحدثين الرئيسيين رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والرئيس البولندي أندريه دودا، ورئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم. ومن المقرر أن يتحدث الرئيس الإندونيسي المنتخب برابو سوبيانتو اليوم الأربعاء.
وأكد أمير قطر في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة التواصل “X” أن منتدى قطر الاقتصادي أصبح يمثل منصة عالمية لطرح الأفكار البنّاءة بشأن القضايا الاقتصادية والجيوسياسية العالمية وتقديم مقترحات مبتكرة لتجاوز التحديات المطروحة.
ويحضر منتدى الدوحة الاقتصادي، وفقاً لوكالة “قنا” القطرية، أكثر من 1000 مشارك من قادة الأعمال من مختلف أنحاء العالم، وتتمحور مناقشات المنتدى، الذي يعقد في الفترة من 14 إلى 16 مايو/ أيار الجاري، حول جملة من المجالات الرئيسية، وهي الجغرافيا السياسية، والعولمة والتجارة، وتحول الطاقة، والابتكار التكنولوجي، وتوقعات الأعمال والاستثمار، والرياضة والترفيه.
الحروب والأزمات
وقال رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في كلمة افتتاحية: “عالمُنا يتخبطُ في التحديات والأزمات، فما كاد يَتعافى من جائحة كورونا (كوفيد-19)، حتى وجدنا أنفسَنا في مواجهة حروبٍ تُلقي بظلالها الثقيلة على تفاصيلِ حياتنا، وتدور رحاها في مختلف أنحاء العالم… الحرب الروسية الأوكرانية في أوروبا، والأزمة السودانية في أفريقيا، وأحدثُ فصولِها تجري الآن في قطاع غزة، حيث تفاقمت الأزمة الإنسانية لتحصد الحرب أرواحَ آلاف الضحايا من الأطفالِ والنساءِ والشيوخ الأبرياء”.
وأكد رئيس الوزراء أن قطر كانت في مقدمةِ مَنْ حذروا مِن خطرِ تمددِ هذه الحرب نحو مناطق أخرى في الإقليم، إلا أن العالم بأكملهِ فشلَ في منعِ ذلك، وتمددت المواجهات حتى البحر الأحمر، مما هدد الملاحة الدولية وزاد من مصاعب التجارة العالمية التي تعاني أصلاً. ونبه إلى أن التحديات المختلفة الناجمة عن الأزمات المتعددة والمعقدة، تفرض على الدول العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية لأن ذلك يسهم في استقرار الحرب.
التحول الرقمي
وأكد رئيس الوزراء القطري في كلمته الافتتاحية أن بلاده تتجه نحو التحول الرقمي من خلال زيادة استثماراتها في التكنولوجيا والابتكار و الذكاء الاصطناعي، لافتا إلى اعتماد الدولة حوافز بقيمة تسعة مليارات ريال (2.4 مليار دولار) للوصول إلى ذلك، وأعلن إطلاق مشروع الذكاء الاصطناعي العربي “فنار” والذي سيعتمد على جمع بيانات إعادة الجودة باللغة العربية وسيسهم بدوره في إثراء النماذج اللغوية الكبيرة والحفاظ على الهوية العربية.
وأشار رئيس الوزراء القطري إلى أن اقتصاد بلاده واصل تحقيقَ المؤشرات الدالة على ثباته وازدهاره، فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لغاية الربع الثالث من 2023 نمواً بنحو 1.6% متزامنا مع تحسن مؤشرات الاستقرار المالي، وتبني الحكومة خطةً مالية مرنة تجاه التقلبات في أسعار الطاقة.
من جانبه، قال الرئيس البولندي أندريه دودا إن بلاده تساعد الجهود الدولية لمساعدة أوكرانيا، وخصصت أكثر من 4% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري.
خفض الإنفاق المسرف
وقال رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، في كلمته، إن بلاده تحتاج إلى خفض الإنفاق المسرف، بما في ذلك خفض دعم الوقود لتقليص مستويات الدين الحكومي، مؤكدا أنه سيخفض دعم الوقود في “الوقت المناسب”. وأضاف: “أعترف بأن الأمور يجب أن تتم، ولكن يجب أن يكون ذلك بحكمة”. وقال إنه لا يوجد “أي دليل” على حدوث عمليات لنقل النفط الإيراني الخاضع للعقوبات من سفينة إلى أخرى قبالة ماليزيا. وحول الحرب الإسرائيلية على غزة، أوضح رئيس وزراء ماليزيا، في جلسة حوارية ضمن أعمال المنتدى أن “دولة قطر تتعامل بطريقة جيدة في جهود الوساطة وإجراء المحادثات، وأنا أقدر هذه الجهود، وأحترم جهود جامعة الدول العربية وكافة الشركاء”، داعيا الجميع إلى الانخراط في جهود وقف الحرب والعدوان المستمر على النساء والأطفال في قطاع غزة.
إعادة صياغة اقتصادات المنطقة
وتحدث وزير المالية السعودي محمد الجدعان في الجلسة الثالثة التي حملت عنوان “إعادة صياغة اقتصادات الشرق الأوسط”، وقال إنه في حين أن الاستثمارات الضخمة لبلاده تساعد على تنمية الاقتصاد غير النفطي، فإن المملكة بحاجة إلى توخي الحذر بشأن “السخونة الزائدة” التي يمكن أن تسبب التضخم. ولفت إلى أن المملكة تكون متحفظة للغاية عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بعائدات النفط، وهو ما يضمن استدامة خططها ومشاريعها الاستثمارية. كما لفت الجدعان، إلى أن ثبات العملات الخليجية ساهم في تراجع تكاليف الواردات، وقال إنه لا يمكن الاعتماد على مصدر واحد للاقتصاد حتى لا نكون كالأسرى لهذا المصدر، ولكن يجب أن نعمل على تعزيز التنوع الاقتصادي، وهو ما نقوم به في المملكة.
وشدد الوزير السعودي على أن الاقتصاد العالمي يواجه تحديات جدية، وأن “رؤية 2030” تستهدف تنويع الاقتصاد السعودي، وجعله أكثر استدامة. وفي رده على سؤال حول إيرادات المملكة النفطية قال الجدعان: “نحن متحفظون للغاية في توقعاتنا عندما يتعلق الأمر بإيراداتنا النفطية، وحالياً 37% من إيرادات الميزانية يأتي من مصادر غير نفطية”.
رؤية قطر
في غضون ذلك، لفت وزير المالية القطري، علي بن أحمد الكواري، خلال الجلسة نفسها، إلى مواصلة العمل لتحقيق رؤية قطر الوطنية 2030، حيث تركز الجهود على ثلاث مراحل رئيسية منها تعزيز الاستثمار القطري وتعزيز التطوير الاقتصادي وبناء القدرات، مشددا على أهمية الاستثمار في رأس المال البشري، وبناء القدرات الخاصة بالقطاع الخاص، واستخدام التكنولوجيا الحديثة، وتبني مبدأ الاستدامة في جميع المشاريع.
وفي رده على سؤال حول بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، قال الكواري: “من الواضح أن هذا يشكل تحديا، ومع ذلك، ربما يكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لدول أخرى غير قطر، لأن جميع البيانات المتعلقة باقتصاد قطر مختلفة، موضحا أن هيكل الاقتصاد القطري يختلف عن هيكل الاقتصاد الأميركي، فقد جرى رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، في حين أن التضخم في قطر لا يشكل مشكلة، وحقق في شهر مارس/آذار الماضي معدل 1.1%، وهو الأدنى منذ ثلاث سنوات في البلاد.
وأكد الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار منصور إبراهيم آل محمود في الجلسة الرابعة، إن صندوق الثروة السيادي القطري سيواصل الاستثمار في مراكز البيانات وتصنيفها وتطبيقات البرمجيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وشركات تصنيع الرقائق.
ويخطط جهاز قطر للمشاركة بصفة مستثمر رئيسي في صندوق أرديان (Ardian) لأشباه الموصلات، وهو صندوق أنشأته شركة الأسهم الخاصة الفرنسية “أرديان” للاستثمار في صناعة الرقائق الإلكترونية في مختلف أنحاء أوروبا. وتوقف بيان أصدره الصندوق أول من أمس الاثنين، عند “إيمانه بتغلغل أشباه الموصلات في الاقتصاد العالمي، وتأثيرها على التحولات الرقمية والخضراء عبر عدة قطاعات رئيسية مثل الذكاء الاصطناعي ووسائل النقل والتكنولوجيا الاستهلاكية”. كما يعمل الجهاز على زيادة استثماراته في قطاع التكنولوجيا، وقيادة جولات التمويل التي تجريها شركات القطاع، في ظل سعي قطر إلى تنويع اقتصادها.
ويختتم المنتدى غداً الخميس، ويسلط الضوء على القضايا الملحة التي تجتاح الساحة الاقتصادية مثل “الجغرافيا السياسية والعولمة والتجارة”، إذ سيجري بحث مدى تأثير تطور المشهد السياسي على تدفقات الاستثمار، وسلاسل التوريد، والاقتصاد الدولي. كما سيتناول المنتدى “توقعات الأعمال والاستثمار” والتي ستُعنى بطرح رؤى بشأن نمو السوق والتوجهات الاقتصادي، وذلك عبر سلسلة من المقابلات والجلسات النقاشية والورش التفاعلية.
جلسات مهمة
اعتلى رؤساء البنوك المركزية منصة المنتدى، حيث قال محافظ مصرف قطر المركزي الشيخ بندر بن محمد بن سعود آل ثاني، إن ربط الريال القطري بالدولار الأميركي كان ناجحاً للغاية بالنسبة للبلاد، مضيفاً أن “مهمتنا هي الحفاظ على ربط العملة بالدولار. لن نرى أي تدفقات لرأس المال من البلاد”.
وفي الجلسة عينها، قال رئيس البنك المركزي التركي فاتح كاراهان إن البنك المركزي ملتزم بالحفاظ على موقف سياسي محكم لخفض التضخم، وهو مستعد للتحرك. وقال “نحن ندرك المخاطر الصعودية” على التضخم. وفي حين يقوم المنظمون في جميع أنحاء العالم بفحص الائتمان الخاص عن كثب بحثاً عن الكيفية التي يمكن أن يهدد بها الاستقرار المالي، فإن مارك ناخمان الذي يقود أعمال إدارة الأصول والثروات في “غولدمان ساكس” يجادل بالعكس، قائلاً إنه حتى لو تصاعدت حالات التخلف عن السداد، فإن ذلك يعني فقط عوائد أقل لمستثمري الائتمان من القطاع الخاص.
وفي حين أنه إذا تم الاحتفاظ بهذه القروض في الميزانيات العمومية للبنوك وبدأت الخسائر في الارتفاع، فقد يتسبب ذلك في آلام اقتصادية حقيقية.
على صعيد آخر، قال كبير مسؤولي الاستثمار في “تيماسيك” روهيت سيباهيمالاني إن “صناديق الثروة السيادية الخليجية تغير بشكل متزايد طريقة استثمارها، مع زيادة التركيز على استخدام الصفقات العالمية لتحقيق شيء ما في اقتصاداتها المحلية. وقد أصبح هذا الاتجاه أكثر وضوحا في السعودية وأبو ظبي”. وقال سيباهيمالاني إن “تيماسيك” أبرمت بالفعل شراكات مع بعض الصناديق السيادية الخليجية في صفقات دولية، لكنها لا ترى حاجة كبيرة لاستخدام رأسمالها في المنطقة.