رأي

أجندة المستقبل.. ما لم تناقشه القمة

كتب جميل مطر, في “الخليج”:

عاشت البشرية نحو القرن، أو أقل قليلاً، في ظل مرحلة نشأنا على تسميتها بمرحلة «السلم الأمريكي». الزعم سائد بأن هذه التسمية مدينة بابتكارها لصاحب إحدى أشهر مجلات القرن الماضي، وهي مجلة «لايف» الأمريكية. الحقيقة هي أن الرجل قرأ في واقع السياسة الدولية وقتذاك واحتمالات تطورها ما ينبئ بقرب نهاية مرحلة بالغة الأهمية في السياسة الدولية سميت وبحق مرحلة السلم البريطاني، وهذه بدورها مستقاة من مرحلة أسبق في التاريخ القديم وهي مرحلة السلم الروماني نسبة إلى قرون عاش العالم المعروف وقتها تحت هيمنة قوانين وسلطات إمبراطورية روما.
يشهد التاريخ بأن كلاً من هذه التجارب في الهيمنة مرت بفترات صعود وفترات انحدار وفترات خضوع واستسلام من جانب الشعوب الواقعة في ظل الهيمنة وفترات نضال واستئساد. يشهد أيضاً أنه في كل هذه التجارب وعندما لاح على شؤون إمبراطورية الهيمنة، دخولها منحنى التراخي والانحدار، أقدم القائمون عليها وبتردد شديد على اتخاذ قرارات وابتكار سياسات توقف بها الانحدار أو تدخل بها إصلاحات جوهرية وأحياناً أو كثيراً ما تكون شكلية ومتأخرة.
اليوم وغداً يجتمع زعماء العالم لمناقشة ما أطلق عليه الخبراء «أجندة للمستقبل».. قمة لعلها الأهم منذ زمن طويل. أخيراً انتبه العالم إلى أن حاضره سيئ، بل بالغ السوء، هناك خشية حقيقية من أن يكون المستقبل، مثل الحاضر أو أسوأ لو ترك يتطور دون تدخل حاسم من الجماعة الدولية، وبالفعل تحرك الزعماء واجتمعوا في عدة عواصم، عقدت مؤتمرات عدة إقليمية واستضافت العواصم الكبرى مؤتمرات جرى تنظيمها وعقدها على عجل وانعقدت في القاهرة دورة عادية لمجلس جامعة الدول العربية دعي لحضورها أكثر من شخصية دولية مؤثرة.
كان واضحاً في كل هذه المؤتمرات أن العالم بأسره ينشد التغيير إلى الأحسن، كان واضحاً في الوقت نفسه أن الطرف المهيمن على العالم حريص على ألا تجرفه وحلفاءه أمواج التغيير ونيته خالصة نحو العمل من خلال القمة على تعزيز قواعد الوضع القائم والتصدي لمحاولات تغييرها.
لا تنعقد القمة بهدف محاكمة طرف أو آخر عن مسؤوليته في التدهور الحاصل في العلاقات الدولية وأمن ورخاء العالم، إلا أن الأجواء التي سادت قبيل انعقاد القمة، خاصة ما اتضح في سجالات القمم الإفريقية ومقالات الرأي في صحف أوروبا وفي دوائر التفكير الساكت في دول الشرق الأوسط، أن القطب المهيمن، وهو الولايات المتحدة، صار محل اشتباه في مسؤوليته المباشرة عن أوضاع وقضايا تسببت في ما آل إليه حال العالم في السنوات الأخيرة، من بينها ما يلي:
أولاً: يحسب على القطب المهيمن أنه فرض العولمة نظاماً يتضمن الكثير من المغريات ويجدد آمال الشعوب في مستقبل أفضل ثم عاد، بعد أن حقق لأمريكا مصالح وامتيازات كبيرة، فانقلب عليه أيضاً ليحقق لنفسه مكاسب أكثر على حساب شعوب أخرى.
ثانياً: أقدم على تنفيذ مغامرة كبرى حين قرر منفرداً إنهاء حال الاستقرار الوليد في بعض دول الشرق الأدنى بتدخله العسكري واحتلاله أراضي في كل من العراق وسوريا لأسباب غير مبررة.
ثالثاً: القطب الأمريكي المهيمن متهم بأنه عمل أو تسبب أثناء احتلاله أراضي عربية غنية استراتيجياً واقتصادياً على تدشين منظمات إرهابية وتعزيز وجود القائم منها باستمراره احتلال أراضٍ عربية. كل عربي في موقع المسؤولية أو خارجها يعلم، ويهمس بما يعلم لمن يأتمنه، أن بعض هذه المنظمات الإرهابية مكلفة بألا تمس أمن إسرائيل بالضرر ولا تضر بمصلحة أمريكية.
رابعاً: جيل جديد من السياسيين والدبلوماسيين أصبح ينظر للسياسة الخارجية الأمريكية من منظور دولة عظمى مهيمنة لا تتورع عن استخدام السلاح النووي.
خامساً: أمريكا الوريث الشرعي والفعلي لبريطانيا العظمي في تبني المشروع الصهيوني للشرق الأوسط، وربما للعالم بأسره. يجب الاعتراف على كل حال بواقع أن هذا الثلاثي المهدد الأساسي لتحقيق حلم التكامل الأمني والاقتصادي العربي هو نفسه مهدد في استمراره. إلا أنه يحسب لمرحلة القطبية الأحادية وإن استعارت صفات وأساليب الهيمنة، أنها:
1 حافظ القطب المهيمن لأكثر من 70 عاماً على درجة من السلم العالمي لعلها ما كانت لتتحقق لو غاب الدور الأمريكي وفشل الآخرون في إقامة تعددية قطبية مناسبة، ولا شك أن انعقاد قمة المستقبل فرصة أمام القوى الدولية المختلفة لدراسة بدائل مناسبة للهيمنة الأمريكية والتصدي لجهود واشنطن استغلال هذه القمة لتعزيز الهيمنة وإحباط جهود إقامة البديل سواء في شكل نظام ثنائي القطبية أو بأقطاب متعددين.
2 تأكد لبعضنا على الأقل أن أمريكا لم تشجع حتى وقت قريب على تفكيك النظام الإقليمي العربي لمصلحة إقامة نظام شرق أوسطي، بدا لنا أن إسرائيل لم تستعد بعد لعضوية نظام إقليمي من هذا النوع يفرض عليها التزامات بوضعها كطرف حر هي أقدر على مواجهتها.
3 لا أستبعد أن يكون الانحدار الأمريكي، وعلاماته تزداد مع الأيام، وراء ظاهرة تردي مستوى كفاءة النخب الحاكمة في أوروبا، فضلاً عن ظاهرة صعود بعض قوى اليمين المتطرف مهددة شرعية هذه النخب، فضلاً عن تزايد اختلافات الرأي حول الاستمرار في تمويل حرب أوكرانيا والموقف من وحشية الحرب الإسرائيلية في الشرق الأوسط.
4 تأكد بما لا يدع مجالاً للشك الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل والهيمنة الصهيونية على أعمال السلطة التشريعية الأمريكية وعلى أداء أجهزة الإعلام ونفوذها المتزايد في دوائر وادي السيليكون وشركات صنع السلاح ووزارة الخارجية.
لم يخرج عن جامعة الدول العربية ما يفيد أن مجلس الجامعة ناقش باستفاضة أو اهتمام يذكر القضايا المطروحة في أجندة المستقبل على قادة العالم أو اتخذ من القرارات ما يؤكد أن وفودنا العربية سوف يكون لها صوت أو أصوات في قضايا جميعها نحن منشغلون بها على كافة الأصعدة ومنها قضية مستقبل الشباب العربي، ناهيك عن مستقبل أدوارنا في النظام الدولي والنظام الإقليمي العربي ونظام الشرق الأوسط، النظام الأشد إلحاحاً على الخروج إلى النور.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى