عندما تعترف إيران بالدولتين..
كتب حسن فحص في إندبندنت عربية.
في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي خصصت للتصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به المملكة الأردنية نيابة عن المجموعة العربية لوقف إطلاق نار إنساني في قطاع غزة، وضع وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان سلسلة من الثوابت الإيرانية التي تمثل سياسة حكومته والنظام الإسلامي في إيران وتمحورت حول:
– الرؤية الإيرانية لحل القضية الفلسطينية من خلال استعادة المشروع الذي أعلنه المرشد الأعلى وسجلته إيران سنة 1999 في الأمم المتحدة خلال مشاركة الرئيس الإيراني محمد خاتمي رفقة وزير خارجيته حينها كمال خرازي، والذي يدعو إلى إجراء استفتاء عام يشترك فيه السكان الأصليين لفلسطين من يهود (من دون المهاجرين) والمسيحيين والمسلمين، بمن فيهم اللاجئون في دول الشتات، لتقرير هوية الدولة والنظام.
– إن استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد تأخذ الأمور إلى مكان لا يرغب فيه أي من الأطراف وقد توصل إلى حرب في المنطقة.
– المسؤولية الأميركية عن استمرار هذه الحرب من خلال الغطاء والمشاركة التي تقدمها وتقوم بها واشنطن للحكومة والجيش الإسرائيليين.
– إدانة إيران لأية عملية قتل للمدنيين لأية جهة انتموا أو الجهة التي تقوم بذلك.
وبغض النظر عن هذه الثوابت التي أعاد عبدالليهان التأكيد عليها خلال اللقاءات الإعلامية التي أجراها أيضاً مع شبكة “سي أن أن” والإذاعة الوطنية الأميركية، فإن المندوب الإيراني سعيد إيرواني الآتي من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني صوت لمصلحة القرار، وأدرج اسم إيران من بين الدول الـ 120 التي صوتت لمصلحة هذا القرار، وبالتالي فإن هذا التصويت يعبر عن موافقة إيران على نص القرار وما جاء فيه من التزامات سياسية وعملية.
والتصويت الإيراني الواضح ومن دون تحفظ على القرار لم يتم التراجع عنه، على العكس من الفضيحة التي قام بها المندوب العراقي الذي صوت بداية بالامتناع من تأييد القرار، ثم طلب من رئاسة الجلسة تعديل التصويت ليكون مؤيداً للقرار مع تسجيل تحفظ على بعض ما ورد فيه لتعارضه مع الدستور والقوانين والتشريعات العراقية، بخاصة القانون الأخير الذي أقره البرلمان حول تجريم التطبيع بين العراق وإسرائيل.
القرار الذي يساوي بين المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين في حق العيش وعدم التعرض لأية أخطار نتيجة الحروب تضمّن إشارة واضحة إلى مسار حل الدولتين، مما يحمل إقراراً من المصوت عليه بالاعتراف بالدولة الإسرائيلية إلى جانب دولة فلسطينية مستقلة قابلة للعيش والسيادة التامة، وهذه الإشارة وعلى رغم تعارضها الواضح مع كل الثوابت العقائدية والأيديولوجية للنظام الإسلامي في إيران، وتأكيدها رفض الاعتراف بوجود هذا الكيان، وكل السياسات التي اعتمدها وتبناها خلال العقود الأربعة الماضية، وسعيه إلى تكريس موقعه ودوره في سياق الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لم تشكل مانعاً أو عائقاً أمام التصويت الإيجابي لمصلحة قرار الجمعية العمومية غير الملزم وما جاء فيه حول مطلب أو مسار سياسي ينتهي بإقامة دولتين، من الحتمي أن يكون بينهما سلام حتى يستمرا في التعايش.
وهذه الخطوة التي تقع على النقيض من المسار الأيديولوجي المعادي والرافض لأي شكل من أشكال الوجود لدولة إسرائيلية في فلسطين، والتي شكلت أحد الأسس التي رفعها زعيم الثورة المؤسس باكراً ومنذ ستينيات القرن الماضي عندما أطلق شرارة المواجهة مع النظام الملكي الشاهنشاهي، وتفاقمت عام 1973 عندما قام الشاه ونظامه بإمداد الغرب بالنفط بعد القرار العربي الذي قاده الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز بوقف صادرات النفط، وبعد انتصار الثورة الإيرانية عمل السيد الخميني على رفع سياسة تبني القضية الفلسطينية لتكون في مقدم الاستراتيجيات السياسية للنظام الإسلامي، ومشروع تبني كل الحركات والأحزاب والقوى والجماعات التي ترفع شعار التحرير.
ورفع القضية الفلسطينية ووضعها في دائرة العقيدة الأيديولوجية والاستراتيجية للنظام لم يلغ البعد البراغماتي في التعامل مع هذه القضية، وأنها تشكل البوابة الأبرز للدخول على العالم الإسلامي من خلال تبني هذه القضية الجامعة، وعلى مبدأ سد الفراغ فقد رفع النظام انغماسه في هذه القضية بعد جنوح كثير من الدول العربية والإسلامية إلى اعتماد سياسة السلام والتطبيع مع تل أبيب، مما وفر له الأرضية للدخول إلى المعادلات الإقليمية ومنع أي مساع أو جهود لعزله أو إخراجه منها، وبالتالي حجز له مقعداً على طاولة التسويات المستقبلية للإقليم في مواجهة الطموحات الإسرائيلية بالتفرد في المنطقة على حسابه وحساب مصالحه الاستراتيجية.
هل يشكل التصويت لمصلحة القرار في الجمعية العمومية وما فيه من إشارة إلى حل الدولتين تحولات في موقف النظام الإيراني؟ أم أنه يؤسس لمسار جديد في السياسات الدولية والإقليمية لطهران في المرحلة المقبلة؟ وأن تنازلاً بهذه الحدود في هذه المرحلة قد يفتح الطريق أمام وضع جهود التسوية ونقل المنطقة إلى مرحلة جديدة، وقد يكون ضرورياً من أجل قطع الطريق على أي حرب شاملة قد تطيح بكل الإنجازات التي حققها النظام في الإقليم وعلى المستوى الدولي؟
يبدو أن النظام الإيراني وعلى رغم تمسكه بالثوابت التي أعاد التأكيد عليها وزير خارجيته في الأمم المتحدة، إلا أنه وجه رسالة واضحة للمجتمع الدولي بإمكان استعداده لتقديم تنازلات تسهل عملية التوصل إلى تسويات في هذه الأزمة، وتؤسس لمرحلة جديدة في المنطقة بمشاركة جميع الأطراف، ولا يكون على حساب المصالح الإيرانية الاستراتيجية.