رأي

دوران ترامب في نفس الحلقة لن يدوم طويلا

كتب ألكسندر نازاروف في صحيفة RT.

وكما كان متوقعا، انتهى لقاء بوتين وترامب بلا نتيجة.

بالأحرى، سيكون من الأصح القول إن اللقاء سينتهي قريبا بلا نتيجة، لأن العملية لم تكتمل بعد، حيث لا تزال أمامنا مرحلة صراخ ترامب على زيلينسكي، ثم صدام ترامب مع أوروبا، ثم صدام ترامب مع صقور الولايات المتحدة الساخطين، بما في ذلك الصقور في المعسكر الجمهوري نفسه، بعدها سنرى مرة أخرى تحولا آخر بمقدار 180 درجة في موقف ترامب ومحاولات جديدة للضغط على روسيا، مع وعود بإدخال أكثر التدابير صرامة ضدها، والتي من المرجح أيضا ألا يتم إدخالها.

 يعاني ترامب من مأزق منهجي، حيث تتحطم رغباته وأفكاره حول السبل الممكنة لتحقيقها على جدران الممر الذي يُجبر على الركض فيه، محاولا اختراق الجدار الأيسر ثم الأيمن بجبهته. فهو يحاول التخلي عن أوكرانيا والانشغال بأجندته الانتخابية، ثم يحاول الضغط على بوتين لإغلاق الملف الأوكراني بهزيمة روسيا.

وبينما تتكشف تفاصيل لقاء بوتين وترامب تدريجيا، يتضح أن التخفيف الملحوظ في موقف بوتين، الذي يشير إليه الجانب الأمريكي، لا يزال لا يخرج الموقف الروسي العام من دائرة عدم القبول بالنسبة لأوكرانيا وأوروبا، اللتين لم تخسرا الحرب بعد، وما زالتا تأملان في نتيجة إيجابية لهما. وبالنظر إلى استعداد أوروبا لتجميد الحرب على خط المواجهة الحالي، حيث ترزح تحت آلام الحرب الكبيرة عليها، فإن قدرتها الحالية على الاحتمال على وشك النفاد. إلا أن هذا يعني فقط أن أوروبا، التي تتفوق نظريا على روسيا في جميع أنواع الموارد، ترغب فقط في أخذ استراحة للاستعداد بشكل أفضل للحرب مع روسيا، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء.

 وفيما يتعلق بالتجميد، فإن الخط الأحمر لأوكرانيا وأوروبا وصقور الولايات المتحدة من كلا الحزبين، هو الاعتراف القانوني بأي جزء من أراضي أوكرانيا السابقة أيا كان كأراض روسية، لأن هذا يسجل قانونيا انهيار احتكار الغرب لإعادة تنظيم الكوكب. ومطالبة بوتين بالاعتراف الرسمي بشبه جزيرة القرم كأرض روسية تعادل تماما المطالبة بالاعتراف الرسمي بملكية روسيا لجميع الأراضي الأوكرانية السابقة الموجودة فعليا تحت السيطرة الروسية، أو كل أوكرانيا، أو نصف الكرة الشرقي من الكوكب. وفي هذا السياق فإن سحب بوتين الأراضي الروسية الجديدة المتبقية من مطالبه (ما عدا القرم) لا يعد تنازلا أو تخفيفا للمواقف، حيث أن مطلب الاعتراف بشبه جزيرة القرم وحده كاف لرفض الغرب العولمي لحزمة مبادرات بوتين للسلام (أو شروطه للسلام، سمها ما شئت)، والاستمرار في الحرب.

أما بالنسبة لزيلينسكي، فالأمر معقد أكثر من ذلك، لأن مثل هذا التطور للوضع يعني الإطاحة به وقتله المحتمل على يد النازيين الأوكرانيين، الذين يشكلون الدعم الرئيسي لنظام كييف، والذين لم يخسروا الحرب طالما كان لا يزال من الممكن تعبئة الشباب والنساء الأوكرانيين، وبينما لا يزال الغرب مستمرا في إطعام أوكرانيا وتسليحها ومساعدتها بكل طريقة ممكنة.

وما دامت مناورات بوتين ضمن حدود ما هو غير مقبول لدى الغرب، ولا تفضي إلى نتائج سلبية على أرض الواقع، فإن مواقف الرئيس الروسي السياسية الداخلية ستبقى صلبة كصخرة. وأعتقد أنها ستبقى كذلك في المستقبل، لأن مسار العمل العسكري المحدود الذي اختاره بوتين وحافظ عليه يسمح للاقتصاد بالعمل بشكل طبيعي وللمجتمع الروسي بحياة سلمية شبه طبيعية.

من الطبيعي أن تهدف جهود الغرب إلى كسر هذا العنصر تحديدا، ففي الأشهر الأخيرة، شن الغرب، بأيدي أوكرانيا، هجمات متزايدة واسعة النطاق على البنية التحتية الروسية للنقل والطاقة في عمق البلاد. كما لجأت أوكرانيا في الأيام الأخيرة إلى شن هجمات بطائرات مسيرة على مناطق سكنية في المدن الروسية، ما قوض الحياة السلمية لكثير من الروس، في محاولة لدفع بوتين إلى رد مماثل، بشن هجمات على السكان المدنيين، وهو ما ستضخمه الصحافة الغربية إلى حد لا يصدق.

ومن الناحية النظرية ينبغي أن يتقاطع مسار تزايد القدرات الأوكرانية لضرب البنية التحتية الروسية في مرحلة ما من المستقبل مع مسار استعداد المجتمع الروسي و/أو السلطات الروسية لقبول ذلك. وبطبيعة الحال، بعد هذه النقطة، ستنتقل روسيا إلى أشكال أخرى من الحرب، وعندها ستطرح قضية شن ضربات ضد الغرب، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال حرب تخريبية أو تصعيد نووي.

مع ذلك، فمن المرجح أن يحدث أمران قبل ذلك: إما زوال أوكرانيا أو هزيمتها، أو فقدان ترامب للسلطة، وسيحدث حينها الانتقال إلى التصعيد النووي بموافقة كاملة من الإدارة الأمريكية الجديدة. ومن المرجح أن يحدث هذان الحدثان قبل أن ينفد صبر روسيا.

فلم يتبق سوى عام واحد على خسارة ترامب في انتخابات التجديد النصفي أمام الكونغرس الأمريكي، وبعدها يرجح إبعاده عن البيت الأبيض مبكرا (ربما تكون قضية إبستين هي السبب). لهذا لم يتبق لترامب سوى وقت قصير جدا لجولات جديدة من التقلبات. لكن يمكن القول إنه خاسر بالفعل. فقد خسرت الولايات المتحدة بالفعل في المواجهة مع الصين، كسرطان وصل إلى مرحلة تستعصي على العلاج. ولا يزال المريض (أي الولايات المتحدة) على قيد الحياة، لكن العملية (الحرب مع الصين) ستقضي عليه قبل أن يموت من انتشار المرض في جميع أنحاء الجسم.

لذلك، لا ينبغي أن نتوقع من بوتين تغيير موقفه. فترامب ميت بالفعل، مجرد فراغ. ولا جدوى من التفاوض مع مثل هذا الشخص. لكن هذا، بالطبع، ليس مبررا للتوقف عن المناورات السياسية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى