الأسواق تستعد للحرب: ترامب يهجّر المستثمرين من أميركا إلى أوروبا

تستعد الأسواق العالمية للحرب التجارية العالمية التي سيطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسمياً، غداً الأربعاء، على وقع هروب محموم من الأسهم نحو السندات والملاذات الآمنة، فيما يتوقع الخبراء أن تكون السوق الأوروبية المستقرة نسبياً بديلاً على المديين المتوسط والبعيد عن السوق الأميركية دائمة الاضطراب.
يأتي ذلك في ظل طي صفحة الربع الأخير من العام على خضات أخافت المستثمرين حول العالم، وخاصة من السوق الأميركية المتقلبة. فقد انتهى الربع المالي المتقلب الذي شهدته الأسواق دون أي ارتياح يذكر، حيث أدت سياسات الرئيس ترامب التجارية ومخاوف الركود التضخمي المتزايدة إلى دفع المستثمرين نحو تجنب المخاطرة.
ولأول مرة منذ فترة، يُمكن التساؤل: هل تُصبح الأسهم الأوروبية الخيار الأمثل خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة بديلاً عن الأسهم الأميركية؟ سؤال طرحه جون بورتر، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة نيوتن لإدارة الاستثمارات، التي دأبت على شراء الأسهم الأوروبية، ضمن العديد من استراتيجياتها في الأشهر الأخيرة. وأضاف لـ “وول ستريت جورنال”: “يمكن طرح هذا التساؤل لأسباب أخرى غير انخفاض أسعار الأسهم”.
إذ يكافح مؤشر ستاندرد أند بورز 500 للخروج من موجة الهبوط، بعد انخفاضه بنسبة 10% عن مستواه القياسي في فبراير/ شباط الماضي. وقد أدى هذا الربع المضطرب إلى انخفاض مؤشر الأسهم الأميركي بنسبة 5.1%، متخلفاً كثيراً عن مكاسب المؤشرات العالمية. كما ضعف الدولار، مما دفع المستثمرين إلى التساؤل عما إذا كان التراجع عن الاستثمار في الأصول الأميركية يُنذر ببدء نظام استثماري طويل الأجل، وفقاً للصحيفة الأميركية.
انعكاس كبير على الأسواق
وما يحصل هذا العام بعيدٌ كل البعد عن نهاية عام 2014، عندما توّج مؤشر ستاندرد أند بورز 500، عاماً ثانياً على التوالي من المكاسب التي تجاوزت 20%. وقد سمح تباطؤ التضخم لمجلس الاحتياط الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات متتالية.
وبدا أن انتصارات الرئيس ترامب والجمهوريين في الكونغرس يوم الانتخابات تُنذر بتخفيضات ضريبية، وتحرير للقيود التنظيمية، وأوقات ازدهار قادمة. قليلٌ من مديري الأموال مستعدون للإعلان عن عصر الهيمنة الأوروبية. لكن بعضهم يفكر في إمكانية أن سنواتٍ من النتائج المتواضعة لأسواق الأسهم الأوروبية قد تفسح المجال لأداء قوي مستدام.
في حين ظلت الأسهم الأوروبية لفترة طويلة أرخص من الأسهم الأميركية، مقارنة بأرباح الشركات، فإن الاقتصاد البطيء في القارة والسوق الأقل توجهاً نحو التكنولوجيا أدى إلى نفور العديد من المستثمرين. والآن، مع تحذير الولايات المتحدة لأوروبا من مغبة اعتبار حمايتها العسكرية أمراً مسلماً به، أعلنت ألمانيا ودول أخرى عن زيادات كبيرة في الإنفاق الدفاعي، وهو ما يعتقد بعض خبراء الاقتصاد أنه قد يؤدي إلى تنشيط اقتصاد المنطقة.
يسارع المستثمرون إلى المشاركة في السوق. وقد تفوق مؤشر ستوكس أوروبا 600 على مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 11.9 نقطة مئوية حتى الآن هذا العام، وهو في طريقه لتحقيق أكبر تقدم ربع سنوي له منذ بداية عام 2015، وفقاً لبيانات سوق داو جونز. ومن بين أسهم شركات الدفاع الأوروبية، تضاعفت أسهم راينميتال في ألمانيا، بينما ارتفعت أسهم تاليس في فرنسا بنسبة 78%.
وتراجعت الأسهم في آسيا يوم الاثنين الماضي، مع توقع تسجيل مؤشر الأسهم العالمية أسوأ أداء ربع سنوي له منذ سبتمبر/ أيلول 2023.
زيادة ضريبية تاريخية
وفي ظل البحث عن ملاذات آمنة، ارتفع مؤشر بلومبيرغ لسندات الحكومة الأميركية بنسبة 2.6% منذ بداية العام، بينما يواصل الذهب تسجيل مستويات قياسية جديدة. وزعم مساعد ترامب في البيت الأبيض، بيتر نافارو، يوم الأحد الماضي، أن الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب من شأنها أن تجمع أكثر من 6 تريليونات دولار من الإيرادات الفيدرالية على مدى العقد المقبل، وهو رقم قال الخبراء إنه من المؤكد تقريباً أنه يمثل أكبر زيادة ضريبية في زمن السلم، في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
في ظهور له على قناة فوكس نيوز، قال نافارو إن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس على واردات السيارات، والمقرر أن تدخل حيز التنفيذ غداً الأربعاء، ستجمع 100 مليار دولار سنوياً. في غضون ذلك، قال نافارو إن نظاماً من الرسوم الجمركية الإضافية -لم تُعلن تفاصيله بعد- سيجمع 600 مليار دولار أخرى سنوياً، أو 6 تريليونات دولار على مدى العقد المقبل. وتشير تصريحات نافارو، وفق “واشنطن بوست” إلى أن ترامب يُعِدّ إجراءات جديدة جذرية ليوم الأربعاء، الذي وصفه الرئيس بـ”يوم التحرير”.
يُعدّ نافارو من أكثر الأصوات تشدداً في مجال التجارة ضمن الدائرة المقربة من الرئيس، ولم يتضح فوراً ما إذا كان يضع مُقدّمة لسياسة الإدارة الرسمية، أم أنه يُمثّل طرفاً واحداً في نقاش داخلي حول الرسوم الجمركية. وفي حديثه على قناة فوكس نيوز، يوم الأحد الماضي، رفض كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني بالبيت الأبيض، تحديد الخطوط العريضة لخطط ترامب بشأن التعرفات الجمركية.
قال هاسيت، الذي يُعتبر على نطاق واسع أكثر تشككاً في الرسوم الجمركية من نافارو: “لا أستطيع تقديم أي توجيهات استشرافية بشأن ما سيحدث هذا الأسبوع”. وأضاف: “أمام الرئيس قدر هائل من التحليلات، وأنا متأكد من أنه سيتخذ القرار الصائب”.
مهما يكن، من المؤكد أن تصريحات نافارو ستُزعزع الأسواق، في ظل تصاعد المخاوف بشأن الحرب التجارية العالمية التي أشعلها ترامب منذ توليه منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي، وفق “واشنطن بوست”. التعرفات الجمركية هي ضرائب تُفرض على السلع الأجنبية المستوردة إلى الولايات المتحدة. ووفقاً لخبيرة الميزانية جيسيكا ريدل، الزميلة البارزة في معهد مانهاتن، وهو مركز أبحاث يمين الوسط، فإن نظاماً للتعرفات الجمركية يُدرّ 600 مليار دولار سنوياً سيُمثّل أكبر زيادة في عائدات الضرائب الفيدرالية منذ الحرب العالمية الثانية.
ويُقلّص مديرو الأموال العالميون مخاطر محافظهم الاستثمارية أو يُعيدون توازنها، وفق “بلومبيرغ”، في ظلّ اتّساع رقعة الحرب التجارية العالمية، وتزايد احتمال تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي الأميركي. وقد رفع الخبير الاقتصادي إد يارديني، احتمالية حدوث ركود تضخمي إلى 45%، ورجّح احتمالات مماثلة لتفاقم هبوط سوق الأسهم الأميركية.
وبدد ترامب الآمال في فرض تعرفات جمركية محدودة النطاق في الثاني من إبريل/ نيسان، إذ صرّح للصحافيين بأنه يعتزم استهداف “جميع الدول” برسوم جمركية متبادلة.
في غضون ذلك، عزّزت البيانات الاقتصادية الصادرة يوم الجمعة، والتي أظهرت انخفاضاً حاداً في ثقة المستهلك الأميركي، وضعفاً في الإنفاق، وارتفاعاً في الأسعار، المخاوف بشأن التداعيات الاقتصادية الأوسع للسياسات التجارية. قال يارديني في مذكرة: “إن التداعيات المتوقعة لعهد ترامب الثاني للرسوم الجمركية تُضعف تفاؤلنا السابق. كما أنها أضعفت ثقة الجميع في الاقتصاد الأميركي، من الرؤساء التنفيذيين إلى المستهلكين والمستثمرين”.
وقد أظهر استطلاع “بنك أوف أميركا” العالمي لمديري صناديق الاستثمار لشهر مارس/آذار الماضي تحولاً قياسياً في استثماراتهم بعيداً عن الأسهم الأميركية، مما أدى إلى تراجع ثقة 23% من المشاركين في أسهم الشركات الأميركية. في الوقت نفسه، قفز تفضيلهم لأسهم منطقة اليورو إلى أعلى مستوى له منذ يوليو/تموز 2021. لكي تتصدر الأسهم الأوروبية الأسواق على المدى الطويل، يرى العديد من المستثمرين أن الحكومات بحاجة إلى تبني سياسات داعمة للأعمال، مثل تخفيف القيود التنظيمية.
في العام الماضي، اقترح رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراغي، تغييرات واسعة تهدف إلى تعزيز إنتاجية أوروبا. وأدى التحول عن السوق الاستثنائية الأميركية إلى تآكل مكانة الدولار ملاذاً آمناً، حيث ضعفت العملة مقابل معظم العملات الرئيسية هذا العام. ولجأ المستثمرون إلى اليورو تحسباً لمزيد من الإنفاق الحكومي في القارة.