أبرزشؤون لبنانية

الدور الفرنسي في لبنان: شراكة ام مصالح استراتيجية؟

في مبادرة دبلوماسية لافتة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر منصة «إكس»، باللغتين الفرنسية والعربية ، أنه سيستقبل الرئيس اللبناني جوزيف عون في 28 آذار، لتكون باريس أول عاصمة غربية يزورها منذ انتخابه في 9 كانون الأول الماضي. لكن، ما دلالات هذه الزيارة؟ ولماذا اختار ماكرون الإعلان عنها بنفسه؟

لطالما لعبت فرنسا دورًا بارزًا في لبنان، سواء من منطلق الشراكة التاريخية أو المصالح الاستراتيجية. فمنذ الانتداب الفرنسي في أوائل القرن العشرين، بقيت باريس حاضرة في المشهد اللبناني، سياسيًا واقتصاديًا، مما أثار تساؤلات دائمة حول طبيعة هذا الدور: هل هو دعم حقيقي للبنان كدولة مستقلة أم تعزيز لنفوذها في الشرق الأوسط؟

في هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان في أعقاب انفجار مرفأ بيروت عام 2020 كمؤشر على استمرار هذا التوجه. فقد تعهد حينها بأن فرنسا لن تترك لبنان، مشددًا على ضرورة الإصلاحات لضمان وصول المساعدات الدولية. ومع ذلك، لم تتمكن باريس حتى اليوم من دفع الطبقة السياسية اللبنانية نحو التغيير المنشود، ما جعل البعض يشكك في فعالية الدور الفرنسي.

اليوم، تتجدد هذه العلاقة مع دعوة ماكرون للرئيس اللبناني جوزيف عون لزيارة باريس في 28 آذار، وهي الزيارة الأولى له إلى عاصمة غربية منذ انتخابه. إعلان ماكرون عن هذه الزيارة عبر منصة “إكس” يحمل دلالات متعددة، أبرزها رغبة باريس في التأكيد على مكانتها كطرف فاعل في لبنان، رغم تعقيدات المشهد السياسي الإقليمي والدولي.

تأتي هذه الزيارة وسط أزمات متشابكة يعاني منها لبنان، بدءًا من الانهيار الاقتصادي المستمر، مرورًا بمأزق الإصلاحات، وصولًا إلى التوترات على الحدود الجنوبية مع إسرائيل. فرنسا، التي كانت دائمًا من الداعمين الأساسيين للجيش اللبناني، ترى في استقرار لبنان ركيزة لحماية مصالحها في المنطقة، خاصة أن لديها استثمارات كبرى تشمل قطاع الطاقة والتنقيب عن الغاز عبر شركة “توتال”.

لكن السؤال الأهم: هل تملك فرنسا اليوم القدرة على إحداث فرق حقيقي في لبنان؟ فبين تعقيدات المشهد الداخلي اللبناني والضغوط الخارجية، يبدو أن باريس تواجه تحديًا كبيرًا في تحقيق أي اختراق سياسي فعلي. فحتى الآن، لم تستطع فرض إصلاحات جوهرية، ولم تتمكن من دفع الفرقاء اللبنانيين نحو حلول مستدامة، ما يجعل زيارة عون إلى باريس اختبارًا جديدًا لنفوذها.

إلى جانب ذلك، لا يمكن تجاهل الملف الحدودي بين لبنان وإسرائيل، حيث لا تزال إسرائيل تحتل خمس نقاط رغم اتفاق وقف إطلاق النار. وهنا، تلعب فرنسا دورًا دبلوماسيًا في المطالبة بانسحاب إسرائيل، لكن القرار الحقيقي يبقى في يد واشنطن، ما يضع باريس في موقع الوسيط أكثر من صانع القرار.

أما ملف اللاجئين السوريين، فهو تحدٍّ آخر في العلاقة الفرنسية-اللبنانية. فباريس تدعو إلى عودة طوعية وآمنة لهم، لكنها لم تقدم حلولًا عملية لتنفيذ ذلك، ما يزيد من تعقيد الأزمة في ظل الضغوط الاقتصادية التي يواجهها لبنان.

في المحصلة، تبقى زيارة جوزيف عون إلى باريس محطة مهمة، لكنها لن تكون كافية لإحداث تغيير جذري في لبنان. فبين الوعود الفرنسية المستمرة والواقع اللبناني المتأزم، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستنجح فرنسا هذه المرة في تحويل شراكتها مع لبنان إلى دعم حقيقي، أم أن المصالح السياسية والاقتصادية ستظل هي المحرك الأساسي لعلاقات البلدين؟

*رأي سياسي*

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى