
كتب رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع الأستاذ عبد الهادي محفوظ:
يختصر أحد الخبراء بالسياسة الأميركية نحو منطقة الشرق الأوسط أن واشنطن تقارب الأمور وفقًا لسياستين: سياسة أميركية – أميركية، وسياسة أميركية – إسرائيلية. وأن لبنان تاريخيًا كان يخضع للمعادلة الأولى، أي السياسة الأميركية – الأميركية التي تتغلب فيها المصالح الأميركية على أي اعتبار آخر. ويتساءل هذا الخبير: هل تتعاطى واشنطن حاليًا وفقًا لهذه المعادلة؟ ويجزم بأنه لا يملك جوابًا بحكم التوغل الإسرائيلي في الإدارة الأميركية. لكنه يضيف: “ما يطمئن أن الولايات المتحدة الأميركية تملك أكبر سفارة أميركية في العالم في لبنان. وهذا يعني عدم التخلي عنه لتتحكم به إسرائيل”.
وما أعلنه الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون أن هناك من يبث سموّمًا من اللبنانيين في واشنطن لتخريب العلاقات اللبنانية – الأميركية، أمر يؤكد على أن السياسة الأميركية – الأميركية هي المعتمدة مع لبنان. فمصادر المعلومات للرئيس جوزاف عون هي أميركية أولًا وأخيرًا. كما أن الاعتراض الإسرائيلي على أن يكون رئيس الوفد الأميركي المفاوض السفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى، وإصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تسميته، هو إشارة حاسمة باتجاه غلبة السياسة الأميركية – الأميركية على السياسة الأميركية – الإسرائيلية.
الدفع باتجاه تبني السياسة الأميركية – الأميركية نحو لبنان، وهي في مصلحته، يفترض التفافًا لبنانيًا شعبيًا حول الموقف الرسمي اللبناني من التفاوض، الذي عبّر عنه الرئيس العماد جوزاف عون بالتفاهم مع الرئيسين نبيه بري ونواف سلام. أمّا التشكيك بهذا الموقف من أي جهة لبنانية فهو خدمة مجانية لإسرائيل ولليمين الديني اليهودي الذي يعترض على التفاوض مع لبنان، والذي يريد إملاء شروطه ولا يستبعد في حساباتهم مناطق عازلة وتوسعًا جغرافيًا واعتداءً على السيادة اللبنانية واتفاق إذعان.
أن يأخذ الرؤساء الثلاثة في لبنان في الحسبان التحوّلات العميقة في المنطقة، فذلك محاولة جدّية لحماية لبنان من المتغيرات والخلل في موازين القوى، والإقرار بأن المفاوضات هي مع عدو وليست مع صديق. وكذلك الأخذ في الاعتبار أن هناك أصدقاء للبنان بما فيهم الفاتيكان، لما يملك من نفوذ مسيحي كاثوليكي مؤثر في أوروبا والولايات المتحدة وتحديدًا في فرنسا، التي طالبها الرئيس عون بأن لا تقتصر مساندتها للبنان والجيش على الدعم المعنوي فقط.
وواقع الحال، وضع المنطقة ومتغيراته، يفترض مراجعة سياسية من الجميع في لبنان. ومثل هذه المراجعة هي التي تدفع الرئيس عون إلى عزل المؤثرات السلبية، وإلى أن لا تُستخدم سوريا الجديدة كعنصر ضغط على لبنان، وإلى أن يكون لبنان الشمالي وامتداد الحدود السورية وداخلها موطنًا لإنتاج حالة دينية متطرفة تهدد الداخل اللبناني وتكون مدخلًا لفتنة أهلية ولصراع إقليمي على النفوذ. ففي المعلومات أن الواجهة لهذه الحالة هو شخصية ليبرالية مقبولة. المهم أن مثل هذه “الحالة” لا تناسب السياسة الأميركية – الأميركية. فهذه السياسة تكرّس المصالح الأميركية في النفط والغاز والنفوذ والاستثمار ليس في لبنان وحده، وإنما إلى امتداد العمق العربي والخليجي، وباتجاه محاصرة التمدد الصيني و”طريق الحرير”




