
كتب محمد الشاذلي في صحيفة الأهرام.
إذا ما وضعنا في الاعتبار الحالة المؤسفة التي يعيش فيها العالم العربي، وهو ينتظر مخططات ترسمها دوائر نافذة في واشنطن وتل أبيب لشرق أوسط جديد، لا نعرفه، ولا تأتي مساهمتنا فيه من داخلنا، أو قد لا نساهم فيه أبدًا، إنما ننتظر ضربات القدر، فإن الاتفاق والتفاهم والتنسيق بين أكبر دولتين في المنطقة، مصر والسعودية، هو جدار الأمان ليس للبلدين فحسب، وإنما لكل شعوب المنطقة.
جذور العلاقات وعمقها
ولقد برهنت العلاقات المصرية السعودية عبر التاريخ الحديث على قدرة فائقة على مواجهة التحديات القديمة والمستجدة، والإمعان في دراستها يكشف عن مدى حكمة قيادات البلدين، ومدى تفهم الشعبين الشقيقين لهذه العلاقات في إطارها الواقعي والتاريخي.
أُنجزت هذه العلاقات ودُعمت عبر اختبارات عدة: مشترك ثقافي واجتماعي وفي المصير. وفي التقييم النهائي، فإننا نجد شعبين يعيشان معًا تقريبًا، مئات الألوف من الشعبين موجودون في البلد الآخر أو بلدهم الثاني، ومئات ملايين الدولارات استثمارات منفردة أو مشتركة، وعشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم لتحقيق تعاون مثمر للبلدين، ولن أذكر الأرقام لأنها بضغطة زر على الكمبيوتر تخرج عشرات الصفحات لتظهر الشراكة الحقيقية بالأرقام.
تعزيز التعاون المشترك: مجلس التنسيق الأعلى
تحاول الحكومتان المصرية والسعودية، إذا ما رصدنا الزيارات المتبادلة في عام واحد وعلى أعلى المستويات، البحث الحثيث في تنمية علاقتهما وتنفيذ اتفاقاتهما المتعددة في المجالات كافة. ولم يكن إنشاء وتشكيل وتفعيل مجلس التنسيق الأعلى المشترك موجهًا ضد أحد، أو لتغطية مناسبة، إنما آلية بحث جاهزة للعمل فورًا في بحث طوارئ المنطقة وهي كثيرة، وفي تطوير علاقات أو حل مشكلات الاستثمارات وغيرها، وحتى لا تجد المفاجآت أو سوء التقدير مكانًا بين البلدين.
ولا أظن أن الحكومتين بعيدتان عن البحث في الخرائط التي تُرسَم للمنطقة، ولمستقبلها، من قبل أي طرف، وتفادي تأثيرها عليهما وعلى المنطقة، قدر المستطاع.
تقدير واحترام متبادل وتاريخ حافل
وفي رأيي، فإن الحكومتين تتعاملان معًا بأقصى درجات الاحترام والتقدير. ولم تنتظرا طوال تاريخهما مجلسًا للتنسيق السياسي المشترك، رغم ضرورته الملحة هذه الأيام، منذ عهد مؤسس السعودية الملك عبدالعزيز، وملوك مصر ما قبل ثورة يوليو.
ويُغرينا التاريخ بتذكر العلاقات الممتازة التي وضع أساسها الملك عبدالعزيز وملوك مصر، ثم بين الملك سعود ثاني ملوك السعودية والزعيم جمال عبدالناصر، حتى حدوث الخلاف الحاد بسبب أزمة اليمن. ثم العودة التاريخية لعبد الناصر والملك فيصل في قمة الخرطوم بعد نكسة 1967. ثم العلاقة الممتازة للرئيس السادات والملك فيصل قبل وبعد نصر أكتوبر 1973، مرورًا بعلاقات الرئيس مبارك المميزة بالسعودية، وخصوصًا منذ تنسيقهما المشترك لتحرير الكويت مطلع التسعينيات، وموقف السعودية المشرف من ثورة يونيو 2013، ووصول العلاقات بين الرئيس السيسي وقادة السعودية لمستوى واضح من الجدية والعمق.
وفي السنوات العشر الماضية، يمكن رصد شراكة إستراتيجية لصون الأمن القومي العربي، ومن الواجب دفعها وتنميتها.