مصابة بفقدان الشهية أبلغت بأنها “نحيلة جداً” لتلقي العلاج.
“إذاً ستتركونني عرضةً للموت؟ هل هذا هو مصيري بسبب عدم قدرتي على زيادة وزني؟ أؤكد لكم أنني بذلتُ جهداً كافياً للقيام بذلك، لكنني لم أحقق تقدماً. فماذا يجب أن أفعل الآن؟”.
هذه العبارات قالتها إيمي – التي تم تغيير اسمها حفاظاً على خصوصيتها – بعد مرور أكثر من عام على انتظارها رداً ومساعدةً علاجية هي في أمس الحاجة إليها.
المرأة البالغة من العمر 30 سنة – والتي عانت من مرض فقدان الشهية منذ أن كانت في سن السادسة عشرة وجرى إدخالها إلى المستشفى مراتٍ عدة – كانت ترد على طبيبها النفسي الذي يعالج حالتها، والذي أبلغها بأن الخدمة الصحية لم تعد قادرةً على تقديم المساعدة لها.
وقد طُلب من إيمي أن تبذل جهداً لتحسين حالتها بمفردها، من خلال زيادة استهلاكها للسعرات الحرارية، وجرى تنبيهها إلى إمكان إحالتها إلى الطبيب العام للحصول على مساعدة طارئة، فقط عند انخفاض مؤشر كتلة الجسم لديها إلى ما دون 13. معلومٌ أن المستوى الصحي لكتلة الجسم يتفاوت ما بين 18 و25.
هذه المرأة تُعد أحد الأمثلة على مرضى – يتخوف الخبراء من تزايد عددهم – قيل لهم إنهم “نحيلون جداً” كي يتلقوا العلاج، في وقتٍ تسعى “الخدمات الصحية الوطنية” (أن أتش أس) NHS التي تتعرض لضغوطٍ كبيرة، إلى تبني سياسة “تقنينٍ” في تقديم المساعدة للمرضى، بهدف إدارة الطلب.
وفي جلسةٍ مروعة تم تسجيلها ومشاركتها مع “اندبندنت”، قال الطبيب النفسي لإيمي: “إنها فرصةٌ بالنسبة إليكِ كي تبذلي جهداً لتمكين نفسكِ بشكل أكبر. وفي الواقع… هذا ما نقوم به مع معظم مرضانا: لقد حددنا أهدافاً وخططاً واضحة لك. ففي الماضي كنت تستهلكين على سبيل المثال، سعراتٍ حرارية لا تتخطى حدود الـ 100 في الأسبوع. إنه حقاً لرقمٌ ضئيل يا إيمي على مدى أسبوع”.
لكن المرأة احتجت وناشدت الأطباء عدم التخلي عنها، قائلةً إنها غير قادرةٍ على زيادة معدل استهلاكها من السعرات الحرارية بمفردها.
وفي هذا السياق تقول: “لو كنتُ قادرةً على القيام بما تخبرني بأنني بحاجة إلى فعله، فلن أحتاج لمساعدتك على الإطلاق… إن ما تفعله يشبه إبلاغ شخص ما، ‘لقد كسرتَ ساقك، ولن أساعدكَ إلى أن تتمكن من السير عليها‘، أو ’إذا كنتَ تعاني من اكتئاب، فلن نقدم لك العلاج لأنه يجب عليك أن تجد بنفسك الدافع الذي يجعلك تشعر بالسعادة'”.
رفعت إيمي شكواها في شأن القرار الذي اتخذه الأطباء النفسيون بوقف علاجها، إلى مفوضي “الخدمات الصحية الوطنية في شرق إنجلترا” (أن أتش أس إيست أوف إنغلاند) NHS East of England. وجاء في رد اطلعت عليه “اندبندنت” أن مقدم الرعاية الصحية الذي تعاملت معه إيمي، أقر بأن القرار كان غير تقليدي.
وأضاف رد الهيئة أن “قرار اعتماد هذا النهج لا يؤخذ بسهولة، ويُنظر إليه على أنه طريقةٌ استباقية لإدارة الأخطار التي تهدف إلى تمكين الأفراد من تحقيق أهدافهم في التعافي بدعمٍ من طبيبهم العام، الذي سيشرف على صحتهم الطبية بهدفٍ واضح (من الخدمة) يتمثل في إشراكهم في نهاية المطاف في العلاج الفعال بعد فترةٍ من التعافي الذاتي”.
وعلى رغم الالتماس اليائس، لا تزال إيمي بعد 12 شهراً تواجه تحدياتٍ في الحصول على علاج في مرافق “أن أتش أس”، وهي تستخدم مدخراتها لدفع بدل ساعةٍ من العلاج في الأسبوع مع ممرضة خاصة، كي تساعدها على الحفاظ على وزنها.
مع ذلك، وعلى رغم أن إيمي تركت وظيفتها للتركيز على تعافيها، ومحاولة تقليل ممارسة التمارين الروتينية التي تقوم بها، فلم تتمكن من زيادة وزنها بشكل كافٍ لمتابعة العلاج. وإضافةً إلى ذلك، لم ينخفض مؤشر كتلة الجسم لديها إلى ما دون عتبة الـ 13، والذي يسمح لها بالحصول على الرعاية الطارئة.
وتشعر الدكتورة أغنيس أيتون المتخصصة البارزة في اضطرابات تناول الطعام، بقلقٍ من أن حالة إيمي ليست فريدة من نوعها، وبأن تسريح المرضى الذين لا يكتسبون وزناً بسرعةٍ كافية، أصبحت ممارسةً شائعة ومنتشرة على نطاق واسع في البلاد.
وعلقت بالقول: “أخشى أن تكون هذه الممارسات منتشرةً على نطاق واسع، فهناك عوامل عدة تضطلع بدورٍ في هذا المجال، منها عدم كفاية التمويل، الأمر الذي يدفع إلى تقنين الخدمات للأفراد الذين يحتاجون للرعاية. وهناك عددٌ من المبررات المشكوك فيها – أحدها هو “المجازفة الإيجابية” Positive risk-Taking – [تشجيع الأشخاص لتحقيق التغيير الشخصي أو النمو من خلال الدفع بهم نحو مخاطرة القيام بأمر ما] وهو ما يضع المريض في الواقع في موقفٍ محفوفٍ بالخطر.
وأضافت: “هناك قلقٌ من أن تمتد هذه الممارسات إلى ما هو أبعد من هذه الحالة. ونحن ندرك أن الخدمات الصحية تعاني من ضغوطٍ مالية، بالتالي يمكن أن يكون الدافع وراء ذلك هو النقص في الموارد. وهناك عاملٌ آخر يتمثل في النقص في تدريب الموظفين”.
“المجازفة الإيجابية”
اضطُرت “الكلية الملكية للأطباء النفسيين” في وقتٍ سابق من هذه السنة إلى تقديم رد، بعدما قالت طبيبةٌ نفسية في نورفولك إنه يجب تعليق الخدمات، إذا لم يُلاحظ أي تغييرٍ في حالة المريض، أو إذا ازدادت “سلوكياته” سوءاً، وذلك ضمن إطار ممارسةٍ تُعرف باسم “المجازفة الإيجابية”.
وفي إحدى الرسائل، كتبت الطبيبة النفسية أن من بين مجموعة المرضى الذين استمرت اضطرابات الأكل لديهم لأكثر من خمسة أعوام، يجب أن يخضع للعلاج فقط أولئك الذين يطلبون المساعدة. وطرحت الطبيبة وجهة نظرٍ مفادها أن “معالجة هذا الأمر من شأنه أن يخفف من مشكلة ’أزمات الأسرة‘ الراهنة، بحيث يتم قبول الأفراد الذين من المحتمل أن يستفيدوا من العلاجات الخاصة بالمرضى الداخليين فقط”.
ورداً على الرسالة، قدمت الدكتورة أيتون، نيابةً عن “الكلية الملكية للأطباء النفسيين” Royal College of Psychiatrists، وجهة نظر معارضة لهذا الاقتراح. وقالت إنه “في مواجهة الضغوط الهائلة الراهنة، ينبغي ألا ينطوي الحل على تعريض سلامة المرضى للخطر، أو إزالة الرعاية المخصصة لهم”. وأشارت إلى أنه “يمكن معالجة هذه المشكلات من خلال الاستثمار في خدمات ’أن أتش أس‘”.
وأضافت أن “أحد الجوانب الأكثر إثارةً للقلق في رسالة (الطبيبة النفسية)، يتمثل في تصويرها لمعدلات الوفيات المرتفعة في اضطرابات الأكل على أنها نتيجة حتمية لا مفر منها، وإهمالها طرح الطرق الكفيلة بالتخفيف من وطأتها. وأشارت إلى أن السياسات التي تنص على أنه ينبغي ألا يفقد أحدٌ حياته بسبب اضطرابات الأكل، “قد تنبع من نقص في فهم طبيعة هذه الحالة المرضية”. وأكدت الدكتورة أيتون أن فرص المريض في تحقيق الشفاء من دون حصوله على أي شكلٍ من أشكال الدعم، كانت منخفضة للغاية”.
وكانت خدمة الرعاية الصحية لاضطرابات الأكل التابعة لـ “مستشفى نورفولك أند نورويتش” قد تعرضت لانتقادات من جانب الطبيب الشرعي شون هورستد، وذلك بعد وفاة أفريل هارت البالغة من العمر 19 سنة، بسبب فقدان الشهية. وأكد السيد هورستد أن موتها كان من الممكن تجنبه، وعزا السبب إلى الإهمال.
ولفت إلى أن المستشفى حولت أفريل إلى “أحد الأطباء النفسيين عديمي الخبرة”، بسبب “النقص الحاد في الموظفين”. ورأى أنها فشلت في تقديم الدعم الاستباقي المناسب، وأظهرت إهمالاً في التحدث مع والدها في شأن مخاوفه من تدهور صحة أفريل بشكل خطير.
وعلى أثر التحقيق في وفاة أفريل ووفاة أربعة آخرين في كامبريدج، أثار السيد هورستد مخاوف حول خدمات اضطرابات الأكل على الصعيد الوطني. وقال إن الوفيات كشفت عن بعض المشكلات في التدريب الذي تلقاه الأطباء في علاج المرضى الذين يعانون من هذا المرض، كما سلطت الضوء على النقص في المراقبة في ما يتعلق بالمرضى المعرضين لأخطار عالية، والنقص في الإبلاغ عن عدد الوفيات الناجمة عن اضطرابات الأكل.
وتنص الإرشادات المتعلقة بهذا الجانب التي نشرتها “هيئة الخدمات الصحية في إنجلترا (أن أتش أس إنغلاند) NHS England في عام 2019 على ما يأتي: “ينبغي عدم اتخاذ قرارات في شأن قبول الإحالات والتسريحات للمرضى بناءً على مؤشر كتلة الجسم، أو الوزن، أو تكرار نوبات النهم في تناول الطعام أو محاولات التخلص منه. لا بل يجب أن تتضمن قرارات الإحالات الأهداف الخاصة بالشخص في تلقي العلاج والتعافي”.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أنه إضافةً إلى ذلك، لا توجد إرشادات رسمية في شأن الوقت المناسب لتسريح المرضى، أو متى يكون لا يكون ذلك مناسباً بشكلٍ حاسم أم لا.