قمة العرب ومستقبل القضية الفلسطينية

كتب د. خالد راشد الزيودي في صحيفة الخليج.
تستعدّ جمهورية مصر العربية لعقد قمة عربية طارئة في القاهرة يوم 27 فبراير/ شباط 2025، بعد تنسيق وثيق مع مملكة البحرين، التي تتولى الرئاسة حالياً، وبالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. يأتي هذا التحرك استجابةً للتطورات الحرجة التي يشهدها الوضع في القضية الفلسطينية، إذ تقدّمت السلطة الفلسطينية بطلب عقد القمة، وسط مشاورات مكثفة على أعلى المستويات مع الدول العربية. وتهدف هذه المبادرة إلى إيجاد حلول عاجلة ومستدامة، في ظل التقلبات الجذرية التي تطرأ على الموازين الاستراتيجية في المنطقة، بما يحافظ على الحقوق التاريخية ومكتسبات السلام التي طالما عملت عليها الدول العربية.
وفي بيان رسمي صدر عن وزارة الخارجية المصرية، تمّ التأكيد على عزم الحكومة المصرية طرح تصوّر متكامل لإعادة إعمار قطاع غزة. ويرتكز هذا التصور على ضمان بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه، وتحقيق العدالة وفق الحقوق الشرعية والقانونية المعترف بها دولياً. وأوضح البيان: «تُعرب جمهورية مصر العربية عن تطلعها للتعاون مع الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب للتوصل إلى سلام شامل وعادل في المنطقة، من خلال تسوية عادلة للقضية الفلسطينية تراعي حقوق شعوب المنطقة». وأكد البيان كذلك على ضرورة حماية المكتسبات التي تحققها عمليات السلام، مشيراً إلى أن أي رؤية لحل القضية يجب أن تتضمن مواجهة مسببات وجذور الصراع عبر إنهاء الاحتلال وتنفيذ حل الدولتين، كسبيل وحيد لتحقيق الاستقرار والتعايش السلمي.
تأتي هذه الخطوات في وقت تتصاعد فيه التصريحات حول ما وُصف ب «مخطط تهجير الفلسطينيين»، بعد تصريحات بعض المسؤولين في الحكومة الأمريكية والإسرائيلية التي أشارت إلى بدء تنفيذ مبادرات قد تؤدي إلى تغيير الواقع على الأرض. ما دفع مصر إلى تجديد موقفها الرافض لأي طرح يهدف إلى «تصفية القضية الفلسطينية». وفي هذا السياق، حذرت وزارة الخارجية المصرية من تداعيات تلك التصريحات التي وصفتها بأنها «خرق صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني»، مؤكدةً على ضرورة تضافر الجهود الدولية لمحاسبة المسؤولين عن أي تحركات قد تخل بالاستقرار في المنطقة.
سوف تشهد القمة مناقشات موسعة حول خطط إعادة إعمار قطاع غزة بطريقة تحافظ على استقرار الشعب الفلسطيني في أرضه، إلى جانب دعم جهود استكمال اتفاق وقف إطلاق النار ومنع أي خروقات تهدد الأمن. كما ستتناول القمة سبل تعزيز التعاون العربي لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تؤثر في استقرار المنطقة. وفي هذا الإطار، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية على ضرورة تحقيق إجماع عربي راسخ يحمي الثوابت الجوهرية للقضية الفلسطينية، وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه وتقرير مصيره بحرية وكرامة من دون أي تدخل خارجي.
تكتسب أهمية هذه القمة أبعاداً إضافية، نظراً لتوقيت انعقادها في ظل تصريحات مثيرة صدرت مؤخراً عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن عن تفكير بلاده في إعادة ترتيب معادلات الصراع في المنطقة، بما يشمل احتمالية الاستيلاء على قطاع غزة ونقل أهله إلى مصر والأردن. وتُعدّ مثل هذه التصريحات مؤشراً على محاولات لإعادة رسم ملامح الموازين الإقليمية بوسائل قد لا تتماشى مع المبادئ القانونية والشرعية الدولية، ما يزيد من الحاجة إلى وحدة صف عربية راسخة ترفض أي تغييرات مفاجئة قد تؤثر في مسار القضية الفلسطينية.
يمثل انعقاد هذه القمة العربية ردّ فعل حازماً ضد محاولات تغيير معادلات النزاع من دون مشاورات شاملة أو الالتزام بأسس الشرعية الدولية. ويُظهر التنسيق الوثيق بين مصر والبحرين والدول العربية مدى التلاحم والتضامن العربي في مواجهة التحديات التي تهدد استقرار المنطقة، كما أن هذا التجمع يشكّل منصة حيوية لتوحيد المواقف وتقديم مقترحات عملية تهدف إلى إعادة إعمار غزة من دون المساس بحقوق الشعب الفلسطيني، ولا يقتصر هذا اللقاء على كونه تجمعاً لقمة طارئة فقط، بل هو خطوة استراتيجية لإعادة النظر في السياسات الإقليمية والدولية التي قد تسعى لتبديل مسارات القضية الفلسطينية بما يخدم مصالح استراتيجية من دون مراعاة الحقوق التاريخية لشعوب المنطقة، كما تهدف القمة إلى رسم خريطة طريق شاملة تتضمن كافة الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية، تُسهم في تعزيز الأمن والاستقرار، وتأكيد حق الشعوب في العيش بكرامة وسلام.
وفي المناقشات التي ستنعقد في القمة وعلى هامشها، هناك أمل في التوصل إلى رؤية استراتيجية مشتركة تضمن مستقبلًا أكثر عدلاً واستقراراً للقضية الفلسطينية، وترسيخ مبادئ الحوار البناء والتشاور الشامل كأساس لتجاوز التحديات الراهنة، وتحقيق توافق يضمن حفظ الحقوق والمكتسبات التاريخية.
يبقى الأمل قائماً في تحقيق حل شامل وعادل يحفظ كرامة الشعب الفلسطيني وغيره من شعوب المنطقة، من هنا، تتجلى أهمية القمة العربية الطارئة كخطوة جادة نحو بناء مستقبل يسوده السلام والعدالة، حيث تتضافر الجهود لتحقيق توافق شامل يستند إلى أسس القانون الدولي والشرعية التاريخية، مما يعزز فرص تحقيق استقرار دائم يُسهم في رفاهية الشعوب وتقدم المنطقة بأسرها.