افتتاحية اليوم: بريطانيا والحدود “الرخوة”

في زيارة لافتة تحمل أبعادًا سياسية وأمنية، زار وفد عسكري بريطاني رفيع المستوى لبنان، حيث التقى رؤساء الجمهورية، ومجلس النواب، والحكومة، قبل أن يقوم بجولة ميدانية تفقدية على الحدود اللبنانية – السورية، خصوصًا في المناطق الشرقية والشمالية.
زيارة الوفد البريطاني تأتي في لحظة سياسية حساسة داخليًا وإقليميًا، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، فضلًا عن المخاوف الأوروبية من امكانية تسلل الجماعات المتطرفة عبر الحدود.
وبرغم الطابع العسكري الظاهر للزيارة، فإن الرسائل السياسية كانت حاضرة بقوة. فبريطانيا، التي تُعد من أبرز الداعمين للجيش اللبناني من خلال برامج التدريب والمساعدات اللوجستية، بدت حريصة على تأكيد التزامها بالاستقرار اللبناني، في ظل الانكفاء الدولي التدريجي عن الملفات اللبنانية.
فالجولة الميدانية التي قام بها الوفد على الحدود الشرقية، ولا سيما في مناطق مثل عرسال ورأس بعلبك، حملت طابعًا عمليًا، حيث اطلع أعضاؤه على جهوزية الجيش اللبناني، وانتشار الأبراج والمراكز الحدودية التي تم بناؤها بدعم بريطاني خلال السنوات الماضية.
وفُهم أن الزيارة شملت تقييمًا مباشرًا للبنية التحتية الأمنية والتقنيات المستخدمة في رصد التهريب وتسلل المسلحين، وسط تأكيد بريطاني على أهمية تعزيز قدرات الجيش اللبناني ليكون الضامن الأول للحدود في مواجهة أي تهديدات مستقبلية.
وفي تقدير مصادر مراقبة أن الزيارة لم تخلُ من رسائل ضمنية تتجاوز الحدود اللبنانية، خصوصًا في ما يتعلق بمراقبة المعابر غير الشرعية.
وفي السياق ذاته، أشارت المصادر إلى أن لندن، ومعها عدد من الدول الأوروبية، ترى في الحدود اللبنانية – السورية خاصرة رخوة قد تتحول إلى نقطة ضغط أمني أو إنساني في حال تدهورت الأوضاع السورية مجددًا، ما يستدعي “احتواءً وقائيًا” عبر دعم الجيش اللبناني وتحفيز الدولة على بسط سلطتها الكاملة على كافة المعابر.
وهناك من يسأل، هل ما يحصل هو دعم مشروط أم شراكة استراتيجية؟
الزيارة البريطانية، وإن جاءت تحت عنوان الشراكة والدعم، إلا أنها تسلط الضوء على المقاربة الغربية الجديدة حيال لبنان: دعم مشروط بالإصلاحات والضبط الأمني، واستعداد للتعاون في إطار مصالح مشتركة، لا سيما في ملف الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب.
وفي وقت يغيب فيه التوافق الداخلي، وتُجمَّد فيه المبادرات الدولية، تبقى هذه الزيارات مؤشرًا على أن لبنان ما زال في دائرة الاهتمام، ولو على قاعدة “إدارة الأزمة لا حلّها”.