رأي

حرب غزة الوحشيّة لن تنتج حلاً سياسيّاً

كتب رامي الريّس في صحيفة نداء الوطن.

مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره الثاني، تتزاحم التساؤلات حول المآلات المستقبليّة لهذه العمليّة العسكريّة الضخمة التي تجاوزت فيها إسرائيل كل قوانين الحروب ونظّمت من خلالها إبادة جماعيّة وارتكبت فيها جرائم حرب موصوفة من دون أي اكتراث بالحدود الدنيا للقانون الدولي أو للمدنيين الأبرياء الذين قتلتهم عمداً وعن سابق إصرار وترصد في ظل توفر غطاء دولي، وأميركي تحديداً، أتاح لها التمادي بما تقوم به.

واللافت أنّ المشاورات السياسيّة حول مستقبل غزة قد إنطلقت قبل أن تضع الحرب أوزارها وقبل جلاء موازين القوى الجديدة في لحظة تخبّط إسرائيلي كبير نتيجة عدم التمكن بعد كل القصف الهمجي والدمار والخسائر البشريّة من إلتقاط زمام المبادرة الميدانيّة و»القضاء على حركة حماس»، كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الساعات الأولى لإعلان الحرب بعد التوغل الذي نفّذته «كتائب القسّام» في عمق الأراضي المحتلة في السابع من أكتوبر الماضي.

فعلى الرغم من فداحة الواقع الجديد في غزة نتيجة القصف المركز (وقد زادت كميّة المتفجرات من الديناميات التي رُميت على غزة في شهر واحد ما يساوي 25 ألف طن وهو ما يوازي ما ألقته الولايات المتحدة فوق أفغانستان خلال عام كامل)؛ إلا أنّ «كتائب القسّام» لا تزال تمطر المدن المحتلة بالصواريخ، والأمن ليس مستتباً على الإطلاق في تل أبيب والعشرات من المناطق الأخرى فضلاً طبعاً عن المستوطنات المزروعة شمالاً في مواجهة جنوب لبنان التي تنال نصيبها أيضاً من الصواريخ والتصعيد العسكري.

لم يتمكن نتنياهو بعد شهر كامل من القصف الجنوني على غزة من رفع صورة انتصار عسكري أو ميداني واحد، في ظل تنامي الكلام عن تعتيم رسمي عن أعداد الجنود الإسرائيليين القتلى في العمليّة البريّة التي تنفذها إسرائيل بالتقسيط لعدم تمكنها من القيام باجتياح بري كامل وفق الأعمال العسكريّة التقليديّة.

والمشكلة عند الحكومة الإسرائيليّة لا تقتصر على عدم تسجيل تقدّم عسكري يُذكر فحسب، بل أيضاً في فشلها في إعادة بناء هيبة جيشها المهزوم الذي إنكسرت صورته في السابع من أكتوبر وسقطت مقولة «الجيش الذي لا يُقهر»، ويعزّز هذا الانطباع بطبيعة الحال الصور التي تتوالى عن انهيارات نفسيّة في صفوف الجنود وبكائهم وعويلهم وخوفهم.

من هنا، فإنّ التحديات تتنامى أمام نتنياهو الذي يواجه ضغطاً داخليّاً متصاعداً لفشله في تحرير الأسرى ولعدم تمكنه من إعادة الأمن إلى المناطق المحتلة ولممارسته الإرهاب المنظم في غزة من دون نتيجة سياسيّة أو عسكريّة تُذكر فضلاً عن زلات لسانه المتكررة نتيجة الإرباك السياسي والنفسي ومن أبرزها تحميله المسؤوليّة لأجهزة الأمن والاستخبارات في إختراق السابع من أكتوبر وتبرئة نفسه منها، ومن ثم اضطراره للاعتذار لاحقاً.

واضح أنّ الأثمان التي يسددها نتنياهو وجيشه في غزة كبيرة مقارنة بالنتائج العسكريّة المتوخاة من وجهة نظره. بطبيعة الحال، هي لا تُقارن بالخسائر غير المسبوقة التي يتكبدها أهالي غزة، ولكن الإشارة هنا من باب التحليل للمكاسب الإسرائيليّة وموازين الربح والخسارة.

لعل الفشل المتكرر في تحقيق نجاح عسكري في العمليّة البريّة من جهة، وتنامي موجات الضغط الشعبي على الحكومات في الغرب رفضاً لاستمرار الحرب، من جهة ثانية؛ سوف يمهدان لواقع جديد بحيث لن يكون متاحاً لنتنياهو الإستمرار في ما يقوم به دون رادع إلى ما لا نهاية.

الكيان الإسرائيلي إهتز بشكل غير مسبوق، ولن يكون سهلاً على إسرائيل العودة إلى سابق عهدها تماماً كما كانت في الماضي. هذا مصير الكيانات المصطنعة التي تسير عكس التاريخ.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى