عن أفريقيا والتنافس الأممي عليها

كتب فتحي أحمد, قي صحيفة العرب:
حلقة الصراع في القرن الأفريقي بين الدول الكبرى دخلت حيز التنفيذ منذ زمن بعيد والضحية بالتأكيد هم الأفارقة في ظل زعاماتهم الضعيفة والموالية للغرب وإسرائيل.
مع مطلع القرن التاسع عشر، بدأت أهمية النقل تبرز في القرن الأفريقي، باعتبار أن هذه المنطقة تحتوي على الكثير من المعادن، إلى جانب موقعها الإستراتيجي الهام الذي يتيح السيطرة عليها والتحكم في طرق الملاحة البحرية، مما يؤدي إلى لعب دور أساسي في التطورات السياسية العالمية. وقد تنافس على منطقة القرن الأفريقي حتى اللحظة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والصين. وقد بدأ دور السوفييت يأخذ شكلاً آخر تجاه هذا الجزء من أفريقيا بعد نجاح الانقلابات العسكرية في السودان والصومال.
الوضع الأفريقي في الآونة الأخيرة يرزح تحت وطأة الاقتتال، حيث شهدت المنطقة تصاعدًا في أعمال العنف والاضطرابات السياسية، مثل الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان، والانقسامات السياسية والتهديدات الإرهابية في الصومال، والتوترات الناجمة عن محاولات إثيوبيا للوصول إلى موانئ بحرية. كما تعاني المنطقة من أزمة غذائية متفاقمة تهدد حياة الملايين بسبب الأزمات العالمية المستمرة.
الصراع الأممي على أفريقيا، منذ الاستعمار وحتى ما بعده، أدخل القارة السوداء في دوامة عنف واحتراب واقتتال داخلي، ما أدى إلى حرمان سكان القارة من خيراتها. فأصبحت أفريقيا مرتعًا للغرب يستبيح كل شيء
نعود قليلاً إلى الوراء، عندما ركز الاتحاد السوفييتي علاقاته مع الصومال، وازدادت وتيرة هذا التعاون في عام 1970 بعد فتح معسكرات السوفييت أمام الجنود الصوماليين. كان الخوف السوفييتي من التدخل في المنطقة له ما يبرره؛ لأن الصين أصبحت مصدر ثقة لدى الأفارقة أكثر من الروس. هذا التنافس أوجس الروس خشية من منافسة الصين لهم، فبدؤوا ببسط نفوذهم في إثيوبيا والصومال بشكل أكبر.
أما موقف الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، فقد حمل وجهة نظر مختلفة، حيث دعمت هذه الدول إقامة اتحاد فيدرالي بين إثيوبيا وإريتريا. وظل الموقف الأميركي بعيدًا عن منطقة القرن الأفريقي بعدما فقدت قاعدتها في إثيوبيا، واكتفت الولايات المتحدة بدور مراقبة الأوضاع فقط. ومع ذلك، تدخلت حينما وجدت مبررًا لاستعادة دورها بعد تورط الروس بشكل مباشر في الصراع الذي امتد ليشمل قوى عالمية ذات مصالح في البحر الأحمر.
بعد فترة طويلة من العلاقة السوفييتية – الصومالية، انتهى هذا التعاون، فتطلعت الولايات المتحدة إلى استعادة نفوذها. وغنائم أفريقيا ومعادنها دفعت الأميركيين للدخول في ميدان التنافس الاستعماري.
نتحول إلى موقف أوروبا الغربية تجاه منطقة القرن الأفريقي، حيث سال لعابها أيضًا بسبب إشراف المنطقة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بالإضافة إلى موقعها القريب من الخليج العربي والمحيط الهندي. استغلت أوروبا النزاع بين الصومال وإثيوبيا في الأوغادين، مما دفع الصومال إلى طلب المساعدات العسكرية من أوروبا على غرار تلك التي كان يقدمها الاتحاد السوفييتي لإريتريا. تعاملت أوروبا مع الطلب الصومالي بحذر شديد، وأيّدت فكرة الأميركيين في تجميد المساعدات للصوماليين، وفضلت نقل النزاع إلى منظمة الوحدة الأفريقية.
امتلاك بلدان القارة الأفريقية للكثير من المعادن والثروات الطبيعية كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الدول الأوروبية للتنافس على احتلال تلك البلدان وسلب ثرواتها
مؤخرًا، دخلت إسرائيل على خط التنافس في أفريقيا، وحصلت على الدعم الأميركي في القارة الأفريقية أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا. هذا التوغل الإسرائيلي يهدف إلى البحث عن المعادن الثمينة في القارة، دون الاكتراث ببعض حكام أفريقيا بسبب هشاشتهم وضعفهم. إلى جانب ذلك، أغرقت إسرائيل الأسواق الأفريقية بمنتجاتها، وعقدت عدة صفقات عسكرية واقتصادية مع أوغندا وموريتانيا وإثيوبيا وغيرها.
إذن، فإن حلقة الصراع في القرن الأفريقي بين الدول الكبرى قد دخلت حيز التنفيذ منذ زمن بعيد، والضحية بالتأكيد هم الأفارقة في ظل زعاماتهم الضعيفة والموالية للغرب وإسرائيل.
من المهم الإشارة إلى أن امتلاك بلدان القارة الأفريقية للكثير من المعادن والثروات الطبيعية كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الدول الأوروبية للتنافس على احتلال تلك البلدان وسلب ثرواتها. إضافة إلى ذلك، فالحاجة الأوروبية إلى إيجاد أسواق جديدة لتصريف منتجاتها بعدما أحدثته الثورة الصناعية من إنتاج هائل، جعل القوى الأوروبية الكبرى تتجه إلى أفريقيا لتعزيز قوتها وتوسيع مناطق نفوذها، مما أدى إلى صراع محموم على الهيمنة تم تنظيمه في مؤتمر برلين عامي 1884 – 1885.
موجز القول، إن الصراع الأممي على أفريقيا، منذ الاستعمار وحتى ما بعده، أدخل القارة السوداء في دوامة عنف واحتراب واقتتال داخلي، ما أدى إلى حرمان سكان القارة من خيراتها. فأصبحت أفريقيا مرتعًا للغرب يستبيح كل شيء، وهو ما ينطبق عليه قول أحمد شوقي في قصيدته “حنين وغربة”: أحرامٌ على بلابلهِ الدَّوْحُ/ حلالٌ للطيرِ من كل جنسِ.