الإخفاق التنموي الكويتي.. من المسؤول؟!
كتب فخري هاشم السيد رجب في صحيفة القبس.
من الطبيعي أن يتساءل اليوم كل مهتم في بلدنا عن الحال الذي توقفنا عنده منذ عقود، حيث مازال النقاش الحكومي لا يتعدى حدود القضايا الخدمية في بلد يمتلك أسساً مادية قوية ليكون في مصاف الدول المتقدمة علمياً بشمولية المعنى. فجلّ ما يثير غضبنا وأعلى أهدافنا التي تتصدر طاولة أي نقاش هو محاربة الفساد، وهو امر جيد ولكن ألم تلاحظوا أننا لا نتجاوز الحدود الضيقة؟!
نطالب بالمحاسبة وأحياناً بالإقصاء وما شابه.. ولكننا في الحقيقة نحن بحاجة إلى محاربة فساد من نوع آخر.. فساد الفكر الجامد الذي لم يخرج من قوقعته منذ عقود، وهو امر يتضح من مجرد المقارنة مع بعض الدول العربية أو حتى غيرها.. مقارنة بسيطة تكفي لندرك بأن الحال الذي وصلنا إليه محزن.
هذا البلد (الكويت) بات بحاجة أكثر من ملحة إلى نهضة تنموية متنوعة…
صحيح أن الحكومة مهتمة ببناء المدارس والجامعات، ولكن هل هذا كافٍ؟ بالتأكيد لا.. فأمم الأرض قاطبة سعت نحو هذا المنحى، ولكن المثير للاستغراب هو تأخر إنشاء هيئات البحث العلمي، وإبراز المتميزين، حتى أننا بتنا على يقين بأنه لا قناعة بضرورة بناء نظام علمي قائم على مبدأ الإدارة والتخطيط، لما يمكن تطبيقه فعلياً على أرض الواقع مع أهمية الاستفادة من تجارب وإمكانات الدول الأخرى، خاصة في ظل غياب القاعدة والمرتكز الأساسي للتنمية العلمية عندنا، وأضعف الإيمان أن نستفيد من تجارب الدول التي حققت تقدما وتطورا ملحوظا.
أين نحن اليوم؟ هذا سؤال يفرض نفسه.. والحقيقة أن الجواب مرّ لأننا واقعيا لا نملك اي منجز علمي استطعنا أن نحوله إلى مشروع مهم، حتى أننا لم نفكر أساسا بالاستعانة بأفكار الغير أو حتى بقواعد علمية باتت واضحة لتكون أساسا لمشروع مميز في بلدنا، نحن نختبئ خلف المقترحات لمشاريع لا تعدو كونها وهماً في ظل غياب كل مرتكزات النهضة أو الحركة التنموية الحقة.. وأؤكد أن المدارس والجامعات لا تكفيان لوحديها، نحن بحاجة إلى رصيد علمي حقيقي، وهنا أستحضر كلاماً ورؤية مهمة للباحث الأستاذ عيد الدويهيس، من كتابه المهم والذي مضى على صدوره سنوات «السلطة العلمية أين؟»، في إحدى الفقرات يتحدث بدقة عن هذه الفكرة، يقول: «إن رصيدنا العلمي الوطني ضعيف مقارنة بالعالم المتقدم، أو حتى من الرصيد العلمي المتقدم الذي نحتاجه حتى نحقق قفزات في التنمية وهنا أتحدث عن تنمية دولة، ولا شك أنه يمكن الوصول للحق والصواب في القرارات والبرامج. إذا كان الكلام عن جدوى إنشاء مصنع أو إحداث بعض التطور في بعض المجالات، فالقرارات والبرامج والخطط التي تبدو لنا جميلة ومنطقية ونظن أننا بذلنا في إعدادها الكثير من التشاور والأموال، وجمع المعلومات، هي في الغالب خاطئة، لأن التنمية عندنا تنطلق من قاعدة الجهل، لأننا نفتقد نظاماً علمياً قوياً وسلطة أولى للعلم في الدولة».
نحن في الكويت لم نرَ حتى اللحظة هيئة متفرغة للاهتمام بالقطاع العلمي أو بالمتميزين، وإن وجدت فهي عبارة عن هيئات هشة من حيث الأداء، وحتى الصلاحيات ربما، والحقيقة أننا نحتاج إلى ما يشبه الثورة العلمية بدءاً من استصدار قوانين تنموية ناظمة، وإنشاء معاهد متخصصة ذات مستوى عالٍ متقدم تقنياً يرفده متخصصون من ذوي الكفاءة، إما من أبناء الكويت ولا بأس من الاستعانة بخبراء عرب أو أجانب وتقديم أو رصد موازنة خاصة محمية من الفاسدين ومن ذوي التفكير المتطرف أيا كان.
لقد آن الأوان لنبدأ، فالموضوع ليس عابراً ولاهامشياً.. لم يعد من المقبول ألا تجد منتجاً واحداً في الأسواق كتب عليه «صنع في الكويت»، إن هذا اعتراف بالعجز قبل التقصير.
النهوض والتحرك باتا مطلبين ملحين وإلا فسنجد أنفسنا يوماً أبعد ما نكون عن الأمم الأخرى.. فنحن بوادٍ وهم بوادٍ آخر.