كتب أحمد غلوم بن علي في صحيفة السياسة.
مشهد إبحار حاملة الطائرات “دوايت دي ايزنهارو” الأميركية لتنضم الى حاملة “جيرالد فورد” مع اسطولها في البحر الأبيض المتوسط قبالة شواطئ فلسطين المحتلة، وسفن حربية بريطانية وتداعي أساطيل أوروبية أخرى.
كما في الجو تجد مشاركة المسيرات الألمانية، ومقاتلات بريطانية، ومسيرات أميركية للتجسس، والتي دخلت الخدمة في أجواء غزة للبحث عن الأسرى الإسرائيليين كما تزعم، يوحي هذا المشهد وكأن قنبلة نووية انفجرت للتو، وقضت على مصالح تلك الدول، وأن حربا عالمية ثالثة على الأبواب، ولا يوحي المشهد أن بضعة آلاف من الشباب قاوم احتلال أرضه بعملية كانت في السابق (زمن الاستعمار) تسمى تمردا.
يدفع ذلك لتساؤل شيخ من غزة دمر منزله للتو: لماذا نحن مهمون لهذه الدرجة؟ ولماذا إبادتنا مهمة لهذه الدرجة؟
والعكس صحيح أيضا، أي لماذا الكيان الصهيوني المحتل مهم لهذه الدرجة؟ ولماذا بقاؤه مهم لهذه الدرجة بالنسبة لأميركا وأوروبا؟
قبل ذلك يجب القول إن قنبلة طوفان الأقصى كشفت لكثير من المجتعات العربية والغربية جملة من الحقائق، نذكر منها ما هو مرتبط بموضوعنا:
إن الاستعمار الغربي لا يزال قائما، وقسوة المستعمر التي تقرأ في كتب التاريخ السياسي لا تزال قائمة، وما عناوين قيم الحداثة في شقها السياسي والحضاري إلا غطاء ناعم لاستمرار هذا الإستعمار الذي يمثله المندوب السامي الكيان الصهيوني.
وإن شرعية بعض النظم قائمة على الأميركي والغربي، وليس على شعوبها، لهذا لا تجد إلا الشجب باستيحاء لقتل المدنيين، والتبرؤ من أي فعل مقاوم للإحتلال، لأن ذلك يغضب الأميركي، وهذا يفسر لماذا يدعم الغرب الديمقراطية في دول، وفي دول أخرى يدعم الإستبداد والدول التسلطية، مع إدخال بعض الرتوش التجميلية لما يسمى عمليات التحول الديمقراطي.
يمكن الإجابة باختصار على سؤال أهمية الكيان المحتل في كونها أشبه بحاملة طائرات مملوكة للغرب بإسم الصهيونية، وهو تشبيه يعود للمفكر الراحل عبد الوهاب المسيري، وهذه الحاملة هي الضمانة لاستمرار مصالح اميركا، ثم أوروبا في الشرق الأوسط، ولأنه (والكلام للمسيري) من المكلف إرساء حاملات للطائرات في البحر الأحمر والمتوسط ،وبقائها بشكل دائم هناك، فإن الحل الأوفر هو زرع كيان محتل لتمرير مصالحها في المنطقة، ومراقبة المناديب المحليين للنظم، وذلك لاستمرار تدفق النفط والثروات الطبيعية، وإبقائها زبونا دائما على طاولة العولمة في المطاعم والشركات العابرة للقارات.
لكن ما يعكر صفوة هذا الكيان شعب الأرض الذي زرع فيها، فكان هذا الأخير عقدة ديموغرافية للكيان الصهيوني، فمارس الترانسفير والهجرة اليهودية، وتوسع بالإستيطان لتضييق المساحة الجغرافية، ثم شرعنها باتفاقيات أوسلو، ثم بعدها استمر في حرق قرى وبيوت الفلسطينيين.
لكن خرج من تحت رماد تلك البيوت شعب مقاوم، وتوسع لحركات مقاومة للاحتلال، فمارس الحصار الأعنف في التاريخ، ولم ينتج منه إلا اشتداد البأس لهذه الحركات.
وعلى مدى سنوات حاول التخلص منها في معارك “الرصاص المصبوب” و”عمود السحاب” و”الجرف الصامد” و”حارس الأسوار”، وبعد العجز حاول التجاوز عبر التطبيع الاقتصادي والسلام الاقليمي، والتسوية، والـ”ناتو” العربي، والمشاريع الإقتصادية وغيرها، ليصطدم بقنبلة نووية إسمها “طوفان الأقصى” التي زعزعت صورة المحتل.
عندها خرجت الملفات من الأدراج قبل أوانها، والتي تحمل عناوين التهجير إلى سيناء، أو تهجير الشعب إلى دول كالأردن ومصر، مثلا، لكن لا يمكن تهجير شعب بوجود حركات مقاومة للإحتلال، وهنا اصطدموا بحائط مسدود، وهذا ما يفسر الجنون الإسرائيلي في القتل والإبادة، وارتباك المستعمر الأميركي ومن خلفه الأوروبيين، فكان لا بد من خلع قناع قيم الحريات، وحقوق الإنسان، وممارسة أضخم تضليل إعلامي وسياسي في القرن الحاي والعشرين، فأصبح (مثلا) رفع العلم الفلسطيني في المانيا جريمة، بينما حرق القرآن الكريم حرية رأي.
وجراء ضخامة قتل الأطفال والنساء، وتفجير المستشفيات والكنائس والمساجد والإبادة، ثم هيجان الشارعين، العربي والغربي، ضد الفاجعة التي لم تشهد مثلها لا في الحرب العالمية الأولى، ولا الثانية، إضطر البعض إرسال المساعدات التي لا تغني ولا تسمن من جوع وتغيير لهجتها على استيحاء، مع بعض دموع التماسيح من بلنكن وزير الخارجية الأميركي في عمان أمام نظيريه الاردني والمصري، لهذه الأسباب وضع محو المقاومة خط أحمر على سقوط “حماس”.