رأي

مهمة ما بعد الحرب

كتب علي قباجة, في الخليج:

بعد الانتهاء المبدئي للحرب على غزة، فإن ما سيأتي سيكون الأصعب على الصعد كافة، إذ إن القطاع بأسره قد دمّر، وأضحى غير صالح للحياة الآدمية، مع افتقاره إلى توفر أدنى مقومات الحياة، فضلاً عن غياب البنية التحتية التي يمكن البناء عليها، وعدم إمكانية الترميم في فترة وجيزة، إضافة إلى عشرات الآلاف من الضحايا وما خلفته الحرب من أيتام وأرامل وأسر لم يبق لها عائل، بجانب نحو 200 ألف مصاب يحتاجون إلى العلاج العاجل، بينما لا تفي المستشفيات القليلة المتبقية بأدنى متطلباتهم.
ومع هذا الكم الهائل من الاحتياجات الأساسية التي يتطلب بناؤها سنوات طويلة، فإن ثمة مخاوف حقيقية من العودة للحرب، مع تهديد إسرائيل المتواصل، واستمرارها في استهداف الفلسطينيين، وتقتير ما يدخل من مساعدات إلى القطاع، إذ تقول الأمم المتحدة إن عدد الشاحنات التي لا بدّ من دخولها إلى القطاع يجب ألّا يقل عن 600، وأن هذا العدد لا يزال بعيد المنال، كما أنه من الضروري فتح المعابر جميعها، والبدء في إدخال معدات ثقيلة لإزالة الأنقاض، وإدخال مواد البناء لإعادة البنية التحتية الضرورية.
ومع التلكؤ الإسرائيلي، فإن أمام المجتمع الدولي مهمة كبيرة، وهي مواصلة الضغط على تل أبيب، للالتزام بالاتفاق وعدم إيجاد مبررات لنقضه، ثم العمل حثيثاً على عقد مؤتمرات تُنتج قرارات حقيقية وفاعلة للبدء على وجه السرعة في إعادة بناء غزة، وتأهيل سكانها، وجبر مصابها، وترميم ما تبقى منها، وتثبيت وجود سكانها في أرضهم، خصوصاً أن وزراء إسرائيليين لا يزالون يحلمون ببناء مستوطنات في القطاع حتى مع اتفاق وقف الحرب. وهذا ما يعطي مؤشرات سلبية إلى أن القادم غير مضمون، وأنه حتى لو لم تسقط القنابل، فإن سياسة الحصار والتجويع قد تستمر بشكل ممنهج، لدفع سكان غزة إلى ما تُسمى الهجرة الطوعية، لكن في حقيقتها ستكون قسرية.
الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، التي ستجعل الجميع في حالة تأهب، وهنا تبرز أهمية الاستمرار في ممارسة الضغوط القصوى، لدفع إسرائيل إلى عدم الإخلال بالاتفاق، ثم التوجه إلى الولايات المتحدة تحديداً لإقناعها بأن وقف شلال الدم سيكون أولوية، خصوصاً أن المؤثر الحقيقي في القرار الإسرائيلي هي واشنطن، التي بيدها مفاتيح عدم التصعيد.
العودة للحرب تعني أنه لا فرصة أمام الفلسطينيين في غزة سوى الموت وتهجير ما تبقى منهم، كما أن التباطؤ في دعمهم بالمساعدات الشاملة سيكون مقدمة لموت بطيء لهم، لأن ما حل بالقطاع كارثة مكتملة الأركان، وكأن قنابل نووية عدة قد ضربتها.
المهمة ليست سهلة أمام الوسطاء، والظهير العربي وأحرار العالم، مدعوون لوضع حد للشره الإسرائيلي بمزيد من القتل والتوسع على حساب أصحاب الأرض.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى