رأي

كي لا يكون في لبنان 13 نيسان آخر

كتب جيرار ديب في صحيفة العربي الجديد.

صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بيان جاء فيه “تبلغ دولة الرئيس مساء الاثنين 8 نيسان الجاري، من الأجهزة الأمنية المعنية نبأ مقتل المسؤول في حزب القوات اللبنانية باسكال سليمان الذي خطف مساء الأحد 7 نيسان”. وأضاف البيان أنه في “هذه الظروف العصيبة، ندعو الجميع إلى ضبْط النفس والتحلّي بالحكمة وعدم الانجرار وراء الشائعات التي تؤجّج نار الفتنة التي باتت تطلّ برأسها من جديد”.

وصدر هذا البيان بعدما أعلنت قيادة الجيش في بيان لها، الاثنين 8 إبريل/ نيسان الجاري، عن مقتل المواطن باسكال سليمان، منسق حزب القوات اللبنانية، في منطقة جبيل (شمال شرقي بيروت) على يد عصابة لسرقة السيارات. وكان باسكال قد خطف ليل الأحد 7 نيسان في طريقه إلى منزله، حين كان يؤدّي واجباً اجتماعياً في إحدى مناطق جبيل.

الجريمة مدانةٌ بكل أشكالها، كما وأنها ليست الجريمة الأولى التي ترتكب على أرض لبنان. لكنّ الخطورة في التفاصيل في بلد أصبح وضعه الأمني متفلتاً، مع ارتفاع نسبة التشنّج بين اللبنانيين، تحديداً بين حزبي القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية من جهة وحزب الله من جهة أخرى، بعدما شبك الأخير لبنان عسكرياً مع الأحداث الدامية في غزّة، حيث فتح “جبهة إسناد” لحرب غزّة مع العدو الإسرائيلي.

يعيش لبنان اليوم حرباً حقيقية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تغلب على التخاطب بين الأفرقاء لغة التخوين وشدّ العصب

كأن تاريخ 13 إبريل/ نيسان عام 1975 سيعيد نفسه على لبنان بعد مرور 49 عاماً على ذكرى بداية الحرب الأهلية، وكأن الانزلاق نحو الحرب بات أمراً مفروغاً منه، مع انتظار ما ستؤول إليه التوجّهات الحزبية بعد دفن المغدور، فجميع الدلائل تؤكّد أن الصدام العسكري بين الأطراف اللبنانية بات وشيكاً، حيث أتت هذه الجريمة في سياق تحريضي واسع المدى بعد أحداث عاشها اللبناني من اشتباكات المسلحة في منطقة الطيونة في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بين فريقي النزاع اليوم، والتي أسفرت يومها عن مقتل عدة مشاركين فيها.

نامت الفتنة بعد أحداث الطيونة، لتستيقظ في 11 أغسطس/ آب 2023 عند كوع الكحالة (إحدى قرى جبل لبنان) إذ شاهد اللبنانيون حاضر بلادهم ومستقبله، بعدما أدّى سقوط شاحنة السلاح لحزب الله، إلى حدوث اشتباكات مسلحة أوقعت قتيليْن. وللمفارقة، كانت الاشتباكات أيضاً بين طرفي النزاع اليوم، فهذا إنّ دلّ على شيء، فعلى أن الوضع بات يتأزّم، وأن السلاح موجودٌ بين اللبنانيين، وأن الفتنة قد خرجت من وكرها، وأدارت البوسطة من جديد لتفتش عن شرارة للحرب في مناطق لبنان.

ليس من وليد المصادفات أن تتشابه الظروف التي أحاطت لبنان قبل 13 نيسان 1975، وبين ما هي عليه اليوم، فكأن وراء الكواليس هناك من له مصلحة بأخذ هذا البلد إلى الاقتتال الداخلي. كانت الجبهة الجنوبية للبنان مشتعلة قبل 49 عاماً بين المقاومة الفلسطينية والوطنية بوجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، وكانت القوى اليمينية المسيحية بقيادة الكتائب معارضة لأي عمل عسكري لأفرقاء غير لبنانيين من القيام بعملياتهم من الجنوب، والتي مهّدت فيما بعد إلى اجتياح عام 1978.

لم تزل البوسطة مركونة في شوارع بيروت، ولم تزل ذاكرة اللبناني تجمع ما تبقى من الذكرى الأليمة

ماذا عن اليوم؟ لا شيء تغيّر، إذ على هذه الجبهة تتكرّر المشهدية نفسها، ولكن بين حزب الله وفصائل غير لبنانية وبين إسرائيل الأمر الذي يفسح في المجال للحديث عن اجتياح إسرائيلي واسع، بعد أن حوّل الجيش الإسرائيلي تركيزه إلى جبهة الشمالية مع لبنان. وقد أكد وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، في تصريح له أنه “لا ينبغي استبعاد سيناريو الحرب في لبنان، ويجب أن نستعد لذلك”.

تاريخ 13 إبريل/ نيسان 1975، وبوسطة عين الرمانة، هو ما تبقّى من الذكرى الأليمة التي لم تزل راسخة في ذاكرة كل من عايش الحرب في لبنان، فتلك الحادثة تعتبر الشرارة المباشرة الرئيسية لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، والتي امتدّت حتى نهاية عقد التسعينيات. ففي هذا التاريخ، وفي بيروت تحديداً، ضاحية عين الرمانة، وبينما كان زعيم حزب الكتائب، بيار الجميل، يفتتح كنيسة في المنطقة، كان على متن البوسطة مناصرون لحركة فتح متوجّهون إلى مخيم تل الزعتر تمرّ في المكان حيث حصل تبادل لإطلاق النار، وكانت شرارة حرب أهلية اشتعلت لتمتد إلى كل مناطق لبنان.

لم تزل البوسطة مركونة في شوارع بيروت، ولم تزل ذاكرة اللبناني تجمع ما تبقى من الذكرى الأليمة، سيّما في صور الأحباء المعلقة على جدران بيوت فقدوا من أحبّوا في تلك الحرب. ولم يزل العنصر الخارجي لاعباً في إشعالها، فما الذي تغيّر إذاً، لا شيء، ومن لم يتعلم من تاريخه حتماً سيعيد تكرار أحداثه.

هل تكفي الدعوات إلى نبذ العنف، بعدما وصل اللبناني إلى إحداث شرخ عمودي في الرؤية المستقبلية لأي لبنان يريده؟

يعيش لبنان اليوم حرباً حقيقية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تغلب على التخاطب بين الأفرقاء لغة التخوين وشدّ العصب. لا يتردّد حزب القوات اللبنانية ومن خلفه في توجيه التهم إلى حزب الله، واعتبار الجريمة سياسية بامتيار، يهدف الحزب من خلالها إلى كمّ جميع الأفواه المعارضة لربط لبنان بأي محور والرافضة مبدأ “وحدة الساحات”.

نفى أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، تلك الاتهامات، في خطاب متلفز، متهماً حزبي القوات والكتائب بافتعال الفتنة بعد تلك الحادثة. لكن أوساط “القوات” تقول إن نصرالله حاول إطلاق اتهامات عشوائية ليبرّر وجود سلاحه وينفي تأثير وجوده على الحدود بين لبنان وسورية، خصوصاً وأن أغلب المناطق التي ينشط فيها الخاطفون خاضعة لسيطرة الجيش السوري وحليفه الحزب.

يعيش لبنان اليوم حالته في الأمس، بين توتر على الجبهة مع العدو، وغليان إثر أحداث تتكرّر داخلية، رغم الدعوات المستمرّة إلى ضرورة التهدئة وضبط النفس، فالسؤال الأكثر تداولاً حالياً: ماذا بعد قضية مقتل باسكال سليمان؟ فعلياً، خطوة “وأد” الفتنة مطلوبة بدرجة كبيرة. ولكن هل تكفي الدعوات إلى نبذ العنف، بعدما وصل اللبناني إلى إحداث شرخ عمودي في الرؤية المستقبلية لأي لبنان يريده؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى