رأي

الاعتراف بفلسطين.. صفعة سياسية لإسرائيل

كتبت نيفين كامل في صحيفة بوابة الأهرام:

الاعتراف بدولة فلسطين لم يعد مجرد خطوة بروتوكولية أو جملة تُضاف في بيانات رسمية، بل تحوّل إلى فعل سياسي له وقع الصدمة على إسرائيل وحلفائها. فما يحدث اليوم هو تآكل تدريجي لواحدة من أهم ركائز المشروع الصهيوني: نفي وجود الشعب الفلسطيني وحقه في الدولة. ومع كل دولة تُضيف اعترافها، يتوسع الشرخ في الجدار السياسي الذي حاولت إسرائيل بناءه لعقود.

الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس مجرد دعم أخلاقي، بل هو صفعة سياسية لإسرائيل التي راهنت طويلًا على أن العالم سيعتاد احتلالها وجرائمها. هذه الاعترافات تعني أن الاحتلال لم يعد واقعًا مقبولًا، وأن العالم بدأ يخرج من دائرة الصمت واللامبالاة.

بلغة أخرى: الاعتراف هو إعلان بأن إسرائيل كقوة احتلال غير قادرة على إلغاء الشعب الفلسطيني من الخريطة، مهما توسعت في الاستيطان أو مارست القمع. إنه إحياء لفكرة الدولة الفلسطينية في مواجهة محاولات دفنها تحت ركام الحصار والجدار العازل.

قوة الاعتراف تكمن في أنه يُحوّل فلسطين من “قضية إنسانية” إلى “كيان سياسي شرعي”. وهذا فارق جوهري. فبموجبه تستطيع فلسطين الانضمام إلى مؤسسات دولية، وملاحقة الاحتلال أمام محاكم دولية، وتوسيع حضورها القانوني والدبلوماسي.

الأخطر بالنسبة لإسرائيل أن الاعترافات المتراكمة تجعل من الصعب على القوى الكبرى أن تستمر في تجاهل الحق الفلسطيني. فحين يصبح العالم منقسمًا بين قلة تدعم الاحتلال وغالبية تعترف بفلسطين، تتحول إسرائيل تدريجيًا إلى دولة معزولة سياسيًا وأخلاقيًا.

لكن الاعتراف، مهما تكن قيمته، ليس نهاية الطريق. فهو لا يوقف جرافة إسرائيلية في الضفة، ولا يعيد لاجئًا إلى بيته، ولا يوقف نزيف الدم في غزة. الاحتلال ما زال يفرض وقائعه بالقوة، والاعتراف وحده لا يكفي لتغيير موازين القوى على الأرض.

الخطر الحقيقي أن تتحول الاعترافات إلى شعارات بلا فعل، إذا لم تتبعها خطوات جادة من الدول المعترفة: فتح سفارات، دعم اقتصادي مباشر للفلسطينيين، وفرض عقوبات واضحة على الاستيطان. فبدون هذا، ستبقى الاعترافات جميلة في المعنى، ضعيفة في الأثر.

ما المطلوب بعد الاعتراف؟

المطلوب اليوم أن يتحول الاعتراف إلى رافعة سياسية ودبلوماسية. على الفلسطينيين أن يستثمروا هذا الزخم في تعزيز مؤسسات الدولة الفلسطينية كي تكون قادرة على العمل ككيان سيادي حقيقي.

استخدام الاعترافات كمنصة لتصعيد المعركة القانونية ضد إسرائيل في المحافل الدولية.

بناء تحالفات مع الدول الداعمة لتجاوز الرمزية نحو الفعل، عبر الضغط الاقتصادي والسياسي.

أما الدول المعترفة، فإن مسئوليتها لا تنتهي بمجرد توقيع بيان. الاعتراف الحقيقي يُقاس بمدى الاستعداد لتحويله إلى ضغط على الاحتلال، وإلا بقي مجرد موقف أخلاقي جميل بلا نتائج.

الاعتراف بفلسطين اليوم هو إعلان سياسي له طابع ثوري، لكنه لن يغيّر الواقع ما لم يُترجم إلى خطوات عملية. المطلوب هو الانتقال من لغة التضامن إلى لغة الفعل، ومن شرعية الاعتراف إلى شرعية الإنجاز.

إن إسرائيل لا تخشى البيانات، بل تخشى اللحظة التي يتحول فيها الاعتراف بفلسطين إلى منظومة دولية تُضيّق الخناق عليها سياسيًا واقتصاديًا، وتفرض عليها ثمن احتلالها. حينها فقط يصبح الاعتراف أكثر من مجرد إعلان، بل بداية النهاية لمشروع الاحتلال.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى