رأي

العملية العسكرية التركية.. تطور الإستراتيجيات والأهداف.

كتب سمير العركي في الجزيرة.

بعبارات لا تنقصها الصراحة وخلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيره في جمهورية شمال قبرص التركية في أنقرة يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان “من الآن فصاعدا كافة البنى التحتية والفوقية ومنشآت الطاقة التابعة لتنظيم بي كا كا الإرهابي في سوريا والعراق أهداف مشروعة لقواتنا الأمنية والعسكرية والاستخبارية”.

وأكد فيدان أن رد القوات المسلحة التركية على الهجوم الذي استهدف مبنى المديرية العامة للأمن بأنقرة سيكون “ردا ملموسا للغاية يجعل الإرهابيين يندمون مرة أخرى على فعلتهم”.

لم تمر 24 ساعة على تصريحات الوزير حتى كانت الطائرات التركية المسيرة والمقاتلة تشن عملية عسكرية بقصف قواعد تنظيم حزب العمال الكردستاني وفروعه في شمال سوريا، وأبرزها وحدات الحماية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي، في ضربات غطت منطقة تمتد على طول 500 كلم وبعمق 40 كلم داخل الأراضي السورية، حيث استهدفت حقول نفط وبنى تحتية تشمل محطات توليد كهرباء ومخازن أسلحة تابعة للتنظيم، إضافة إلى تحييد أفراد وقادة.

ورغم أن سير العمليات العسكرية وتطورها يتجدد على مدار الساعة فإن اليوم الأول منها أفصح عن تطور واضح في الإستراتيجيات المتبعة من قبل أنقرة أو الأهداف التي يمكن أن تتطور إليها العمليات، كما أوضحت عزم أنقرة على سد ثغرات العمليات العسكرية السابقة.

نجاحات سابقة لكنها غير مرضية

منذ عام 2016 نفذت القوات التركية عمليات عدة في الشمال السوري، وهي عملية درع الفرات في أغسطس/آب 2016، والتي انتهت بالسيطرة على مدينتي إعزاز وجرابلس بريف حلب وطرد تنظيم الدولة “داعش” من تلك المناطق، ثم عملية “غصن الزيتون” في يناير/كانون الثاني 2018، والتي نجحت فيها القوات التركية بالتعاون مع الجيش السوري الوطني “المعارض” في السيطرة على مركز مدينة عفرين وطرد تنظيم حزب العمال منها، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019 أطلقت تركيا عملية “نبع السلام” لإبعاد وحدات الحماية الكردية عن الحدود التركية السورية وإنشاء منطقة آمنة بعمق نحو 30 كلم.

ورغم النجاحات التي حققتها تلك العمليات فإن نتائجها لم ترضِ تركيا بشكل كامل، نظرا لعدم تنفيذ كل من روسيا والولايات المتحدة التعهدات التي قطعتها كل دولة على نفسها من أجل إيقاف تلك العمليات حينها، فالتنظيم الإرهابي ظل قريبا من منطقة الحدود، ولم ينسحب من مدينة منبج بريف حلب إلى مناطق شرق الفرات.

والأشد خطرا أنه ظل مصدر تهديد لأمن واستقرار تركيا، فالتفجير الذي ضرب منطقة تقسيم وسط إسطنبول العام الماضي تم الإعداد والتخطيط له في تلك المناطق، حيث تولت التنفيذ امرأة من أكراد سوريا دخلت تركيا بشكل غير قانوني.

كما أن الهجوم الأحدث على وزارة الداخلية في أنقرة جرى التخطيط له في تلك المناطق أيضا، ناهيك عن عشرات العمليات الإرهابية التي نجحت أجهزة الأمن التركية في إحباطها، وكان مصدرها مناطق نفوذ التنظيم في الشمال السوري.

لذا أيقنت تركيا أن تفكيك تلك الإشكالية لن يكون إلا بعمل عسكري حاسم وواضح بعيدا عن المماطلات الأميركية والروسية.

الصدام التركي الأميركي

في العمليات العسكرية السابقة كانت تركيا تلجأ إلى إخبار كل من واشنطن وموسكو بها ولو قبلها بوقت قصير، لكن الملاحظ في تلك العملية أن التحرك التركي جاء دون إخطار مسبق، وبعد تحذير وزير الخارجية هاكان فيدان من وصفهم بـ”الأطراف الثالثة”، مطالبا إياهم بالابتعاد عن أماكن الخطر، وكان يقصد هنا في المقام الأول القوات الأميركية.

ورغم ذلك فقد شهد اليوم الأول صداما أميركيا تركيا عقب إسقاط القوات الأميركية مسيّرة تركية، معللة ذلك بأنها هاجمت قواعد وحدات الحماية الكردية من نقطة قريبة من القوات الأميركية بنحو 500 متر.

لكن الملاحظ أن الحادث لم يؤثر في سير المخطط التركي، وواصلت عملياتها كأن شيئا لم يكن، وقد لوحظت تحركات أميركية لاحتواء الحادث، إذ اتصل كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان الأميركيين بنظيريهما في تركيا.

كما أصدرت وزارة الدفاع الأميركية بيانا عبرت فيه عن حزنها تجاه الحادث، مؤكدة أن تركيا واحدة من أهم وأقوى حلفاء واشنطن في حلف الناتو.

هل يتطور القصف الجوي إلى اجتياح بري؟

قبل الإجابة عن السؤال دعونا نشير إلى ملاحظة مهمة تتعلق بالاستعداد الاستخباراتي المتميز من خلال بناء بنك أهداف يعتمد على معلومات موثقة تم جمعها وفرزها والتأكد منه، بحيث بدت الضربات الجوية متناسقة ومتتابعة ومؤثرة، مما جعل قادة التنظيم يناشدون العالم خلال الساعات الأولى التدخل لوقف العملية، لكن دون جدوى.

هذا التفوق الجوي الواضح لن يكون بديلا إستراتيجيا عن العملية البرية لوقف خطر تلك التنظيمات، والقضاء على التهديدات الأمنية والانفصالية المترتبة على وجودها بالقرب من منطقة الحدود.

لكن هذا التطوير العملياتي سيتوقف على تقديرات الموقف لدى صانع القرار في أنقرة بناء رد الفعل من جانب موسكو وواشنطن، فموسكو التي بدت متناغمة مع الموقف التركي في ملف قره باغ الأذربيجاني لأسباب تتعلق بخلافات روسية أرمينية قد يختلف موقفها هنا بسبب علاقتها مع كل من نظام بشار الأسد من ناحية، والنظام الإيراني من ناحية أخرى والذي يزعجه جدا التمدد التركي المتواصل على حساب ما يراه توازنا بين الدولتين.

أما واشنطن فانزعاجها أكبر، لأنها الراعية لتلك التنظيمات تسليحا وتدريبا وحماية بزعم تعاونها في محاربة تنظيم داعش، لكن الحقيقة أنها تمثل قاعدة المخطط الإستراتيجي الأميركي بتأسيس كيان انفصالي “كردي” في شمال سوريا.

ورغم ذلك يبدو أن رهان أنقرة سيبقى مرتكزا على حاجة الدولتين إليها في ظل استمرار أزمة الحرب في أوكرانيا، وما تركته من تداعيات على السلم والأمن الدوليين، الأمر الذي قد يتيح لتركيا تطوير العمليات والدفع بقوات برية لتأسيس منطقة أمنية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى