تحديات الحكومة الجديدة!
كتب خالد سيد أحمد, في “الشروق”:
الانطباع الأول الذى تولد لدى البعض عن الحكومة الجديدة، التى أدت اليمين الدستورية الأربعاء الماضى، أنه جرى إعلانها على عجل، رغم أنها استغرقت شهرا لتخرج إلى النور، منذ صدور قرار إعادة تكليف مصطفى مدبولى بتشكيلها.
يغذى هذا الانطباع كثيرا من الملاحظات على تركيبة الحكومة الجديدة، منها طبيعة الأسماء التى تم اختيارها لحمل حقائب وزارية.. فبعضها جاء من خارج المجال والاهتمام والدراسة المؤهلة للحقيبة الوزارية المكلف بحملها، والبعض الآخر لا تساعده سيرته الذاتية على الإلمام بتفاصيلها وتعقيداتها وآلية عملها، بل إنه فى حالات محددة، بدت الحقيبة «أثقل» من قدرة حاملها على دفعها إلى الأمام، أو حتى تحريكها من مكانها!.
كذلك هناك ملاحظات على عملية الدمج بين الوزارات.. فرغم أهميتها القصوى فى توفير النفقات وتحسين الأداء ورفع الكفاءة وتقليل الروتين وسرعة الإنجاز، إلا أن هذا الأمر يتطلب بشكل أساسى، وجود مجالات عمل وتشابكات وخطوط اتصال واضحة بين الوزارات المطلوب دمجها، حتى تؤتى العملية ثمارها المرجوة، بما ينعكس إيجابا على الأداء الحكومى بشكل عام، مثلما حدث فى القرار الخاص بإعادة الدمج بين وزارتى السياحة والآثار، والخارجية والهجرة وكذلك التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، وهى بلا شك قرارات سليمة وصحيحة للغاية، نظرا للتشابك الكبير فى أهداف ومجالات العمل بين تلك الوزارات.
لكن قرار الدمج فى حالة وزارتى النقل والصناعة بدا غير مفهوم لدى البعض وأحدث نوعا من الالتباس، لاسيما وأن هناك مسافة بعيدة جدا بين الوزارتين، سواء فى مجال العمل أو الاهتمامات أوالتخصصات.. فالنقل وزارة خدمية فى الأساس، بينما الصناعة هى قاطرة التنمية الحقيقية التى نسعى ونتطلع جميعا للوصول إليها من أجل توفير العملة الصعبة وتحسين الوضع الاقتصادى وتسديد الديون المتراكمة على الدولة المصرية.
رئيس الوزراء حاول إزالة هذا الالتباس بالقول إن قرار إسناد الحقيبتين إلى كامل الوزير، يرجع إلى تمتعه «بكفاءة إدارية وتنفيذية من الدرجة الأولى، وأنه قادر على تحقيق طفرة وإنجاز فى الصناعة مثلما حققها فى النقل»، أما كامل الوزير نفسه ففسر كيفية إدارته للعمل فى الوزارتين بالقول إنه «سيقوم بتقسيم يومه بين وزارتى الصناعة والنقل، من الساعة 8 صباحا لـ3 عصرا بوزارة الصناعة، ومن 3 عصرا لـ10 مساءً بوزارة النقل».
على أى حال، وبعيدا عن الملاحظات السابقة، فإن الحكومة الجديدة أمامها تكليفات رئاسية محددة، منها «التطوير الشامل للسياسات والأداء الحكومى بما يتواكب مع حجم التطلعات التحديات والتواصل الفعال مع الرأى العام، واستكمال مسار الإصلاح الاقتصادى على جميع الأصعدة، مع إعطاء الأولوية للتخفيف على المواطنين وتحقيق طفرة ملموسة فى المجالات الخدمية، وبناء وتطوير الصناعة المصرية، وجذب وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية وتشجيع نمو القطاع الخاص، ومواصلة وتعزيز جهود صون الأمن القومى المصرى، فى ظل التحديات غير المسبوقة التى يموج بها المحيطان الإقليمى والدولى».
هل يمكن للحكومة الجديدة تنفيذ التكليفات الرئاسية الصادرة لها والنجاح فى مهمتها، على الرغم من التحديات الكبيرة التى تعترض طريقها؟ بالتأكيد.. تستطيع شرط أن تتبع سياسات مختلفة عما كانت تمارسها فى السابق، وأن تسارع إلى وضع المواطنين ومصالحهم ومشكلاتهم نصب أعينها، وألا تتعامل معهم باعتبارهم «أحمالا زائدة» عن الحد المسموح، لا يجوز أو ينبغى لهم البوح أو الشكوى والأنين من قسوة وصعوبة الظروف الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، وعدم قدرتهم على تدبير متطلبات الحياة اليومية جراء الارتفاع الهائل فى أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية.
يمكن للحكومة الجديدة النجاح، حال وضع «خريطة طريق» واضحة ومحددة المعالم، تتضمن تصحيح ومعالجة الأخطاء السابقة، التى أدت بنا إلى هذا الوضع الاقتصادى المربك والمعقد، وكذلك تحديد الأهداف الراغبة فى تحقيقها عبر إعطاء مساحة أكبر للشفافية والوضوح فى عملها، واستحضار السياسة الغائبة منذ سنوات عن المشهد العام فى البلاد.