حماقات الجناح العسكري
كتب مشعل صنت العدواني في صحيفة السياسة:
قبل الحديث عن الحماقات لا بد من التنويه عن بدعة تسمية “الجناح العسكري والجناح السياسي”، اذ لا توجد هذه التسميات في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فنظام الحكم والقيادة بالإسلام مركزي قائم على خليفة قائد يتفق مع الأمصار المحيطة، ويعقد العهود والمواثيق، ومن تحته أمراء يأتمرون بأوامره، بالحرب والسلم، وحتى عصرنا الحالي يوجد قائد أعلى للقوات المسلحة يصدر الأوامر، أما بدعة حركة “حماس”، فهي تقتبس من السياسة الأميركية، وهي امتداد لسياسة اليهود في إكثار وتعدد الرؤوس لخلط الأوراق، باتخاذ القرار وتبعاته لتحقيق المآرب.
كذلك بدعة “الجناحين العسكري والسياسي”، وجدت للتغطية على أي إخفاقات يرتكبها أحدهما ليتبرأ من فعلته الآخر كشيك من الأعذار مسبق الدفع.
هذا لا شك مخالف للنهج الإسلامي الذي أصله الرسول (صلى الله عليه وسلم)، الذي ساس العالم وساد بالقوة والشجاعة والوضوح اتخاذ قرار الحرب والسلم، وعقد المواثيق والعهود، وتحمل تبعاتها وسار عليه الصحابة الكرام ومن تبعهم إلى يوم الدين.
نأتي الى حماقات الجناح العسكري، لا شك أن الجهاد والدفاع عن الأرض والعرض، والنفس والمال، حض عليه الدين والشرع، وجعل الله الجنة مكافأة لمن يقتل في سبيلها، لكن هذا الدين أيضا قيد لكل ولي أمر، أو أمير حرب، الا يقدم على أي قرار للحرب إلا مظنة الانتصار، أو على الأقل الخروج بأقل الخسائر، ولا يلقي بالجيش للهلكة، فنحن أمة لم يخلقها الله كهدف رئيسي للموت، بل جعل الله الموت لها وسيلة للانتصار، وإعلاء كلمة الله في الأرض.
فمن أسباب النصر الهجرة، ومن أسباب النصر الصلح، كما فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومن أسباب النصر الانسحاب، وإعادة وترتيب الصفوف كما يشاع بالخطط العسكرية، ومعرفة القدرات العسكرية للاعداء، ودراسة وضع الأصدقاء والحذر من الخيانات، وتوحيد الصفوف، وإعداد العدة المادية والمعنوية.
الأسباب كثيرة، ولا نريد الإطالة، لكن نرى حتى هذه اللحظه أن من أطلق على نفسه “جناح عسكري” أرتكب خطأ في حق الفلسطينيين بزج كل هذه الدماء في جهاد ضد العدو المحتل بأعلى الخسائر بالأرواح، والممتلكات من دون نصر وتمكين، سوى صفقة لتبادل الأسرى بإمكان تحقيقها سياسيا عن طريق وسيط عربي أو خليجي، له نفوذ مع من يدعم الصهاينة في المنطقة، دون ارتكاب هذه الحماقات.
أما العذر الذي يردده البعض أن أهل الأرض أدرى بشؤونهم، ولا يحق لأحد التدخل فيها نقول: أهل الأرض هم الذين ادخلونا عنوة في شؤونهم وعلى لسان خالد مشعل وبكلمة منشورة بالـ”يوتيوب” يخاطب بها الكويتيون.
أهل أرض أطلقوا طوفانا راح ضحيته أكثر من 15 ألف شهيد الهدف منها سياسي، ومالي، وثوري إعلامي ،موجه للشعوب كما قال خالد مشعل لتحريكها، وإثارة عواطفها واقتيادها للثوران ضد حكوماتها، وإحداث فتنة وصلت الى ساحة الإرادة بكويتنا الحبيبة، فتصدر منابرها بعض أصحاب الإجندات من الأحزاب والمؤدلجين المنقادين لعواطفهم، دون تفكير، فيصبح هؤلاء وقودا لفتنة في وجه كل يخالفهم بالرأي، ليرموه بالتصهين والانبطاح لمجرد تذكيرهم بالقواعد الشرعية الإسلامية، والتعقل، واحترام القوانين في ردود الفعل غير المنضبطة؟
أهل الأرض، كما فهمنا منهم ضمناً وعلى أرض الواقع، فإن دماء الشهداء وسيلة لهم للمقايضات السياسية لعودتهم لتصدر المشهد السياسي، بعد خفت مع “الربيع العربي”، أهل الأرض هكذا قالوا بألسنتهم، وهكذا فعلوا، وهكذا ندين ارتكابهم الأخطاء والإخفاقات، واستغلالهم عواطف المسلمين باسم الدين والأقصى، وجراح الأمة تحت موجة إقصائية مقيتة تتمثل بـ”ان لم يكن معنا فهو ضدنا، بل مع العدو وصهيوني”.
ما هكذا تورد الأبل، ولا يبنى الانتصار على هدم القواعد الشرعية وإحداث الفتن وضرب الشعوب بالشعوب، والشعوب بحكامهم، وتسهيل جرأة الكفار على المسلمين، وهم في حال ضعف وتفرق، وبعد عن الدين.
نسأل الله تعالى أن يحقن دماء المسلمين في غزة وفلسطين وسائر بلاد المسلمين، وينصر من نصر الدين، ويخذل من خذل المسلمين، وأن يجمع المسلمين تحت رايته، ويرجع لنا المسجد الأقصى، ويرزقنا صلاةً فيه.