رأي

الجزائريون يختارون رئيسا جديدا بعد خمس سنوات من الحراك الشعبي

كتبت سالي نبيل في صحيفة بي بي سي عربية.

يستعد الجزائريون لاختيار رئيس جديد في السابع من سبتمبر/ أيلول الجاري. هذه هي المرة الثانية التي يتوجه فيها الناخبون لصناديق الاقتراع منذ اندلاع احتجاجات شعبية كاسحة، قبل خمس سنوات، أجبرت الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة على التنحي عن الحكم بعد عشرين عاما قضاها في السلطة.

وقد أنبأت تلك الاحتجاجات، التي عُرفت باسم الحراك الشعبي، بهامش كبير من الحريات. لكن الانتخابات هذه المرة تأتي في ظل تشابك عدة تعقيدات في المشهد السياسي بالبلاد.

ويخوض هذه الانتخابات ثلاثة مرشحين، أبرزهم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي صعد إلى سدة الحكم في عام 2019 بعد رحيل بوتفليقة.

لكن من يتجول في شوارع الجزائر العاصمة، لا يشعر بأن البلد يستعد لاستحقاق انتخابي، إذ لم نر إلا القليل من ملصقات الدعاية على الجدران وفي الأحياء. ويشعر كثيرون ممن تحدثنا إليهم أن نتيجة الانتخابات شبه محسومة لصالح الرئيس تبون.

يلقون بأنفسهم إلى المجهول “هربا من المعلوم”

في أحد مقاهي العاصمة الجزائرية التقينا كلا من عدلان وعبد الوكيل. كانا من المشاركين في الحراك على مدى عدة أشهر. يقولان إن أحلامهما كانت كبيرة حينها، إذ كانا يتطلعان لجزائر جديدة تقوم على الديمقراطية، والتعددية السياسية ومراعاة الحقوق والحريات. يوضحان أنهما لا يعولان كثيرا على الانتخابات، إذ لا يتوقعان أن تأتي بتغيير يذكر.

يخبرني عدلان أنه شارك في احتجاجات الحراك على مدار خمسين أسبوعا تقريبا، أي نحو عام كامل. ويوضح أن مطلبه الأساسي كان يتمثل في أن “يصبح صوتنا مسموعا”. أما اليوم، فبات يشعر “بخيبة أمل” لأن تلك الأحلام لم يتحقق منها إلا القليل، على حد وصفه.

أصبح عدلان، الطبيب، يفكر جديا في الهجرة. ويوضح أن “العشرات من زملائي الأطباء هاجروا من الجزائر في السنوات الخمس الأخيرة على وجه التحديد”. ويضيف أن هجرة الشباب من البلاد لا تقتصر على الطرق الشرعية فقط، بل تمتد للسبل غير الشرعية كذلك. ويشير إلى أن كثيرين باتوا “يركبون قوارب الموت كي يقطعوا البحر نحو أوروبا، ويلقون بأنفسهم إلى المجهول هربا من المعلوم، لأن المعلوم أصبح لا يطاق”.

الرقابة الذاتية

يعتزم عبد الوكيل، الصحفي، مقاطعة الانتخابات، إذ يشكك في جدوى التصويت برمته، ويتساءل “كيف نتحدث عن انتخابات شفافة في ظل غلق الفضاء الإعلامي والنشاط النقابي وسجن نشطاء سياسيين بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي؟!”.

وراح يحدثني عن المتاعب التي يواجهها كصحفي في الجزائر حاليا، موضحا أنه يُضطر لممارسة رقابة ذاتية على نفسه خشية التعرض للملاحقة القضائية. ويستطرد قائلا إنه اضطرّ لمغادرة عدة مؤسسات صحفية بسبب ما وصفه بالتضييق على حرية الرأي. ويضيف “كاذب من يدعي أن الصحفيين في الجزائر يكتبون ما يشاءون، بمن في ذلك الصحفيون في القسم الرياضي”.

وفي فبراير/ شباط الماضي، انتقدت منظمة العفو الدولية ما وصفته بملاحقة السلطات الجزائرية “أي شخص يمارس حقه في حرية التعبير، أو التجمع السلمي أو تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، على نحو تراه تهديدًا للحكومة”. ونقلت العفو الدولية في تقريرها الذي حمل عنوان “مجتمع خلف القضبان” عن هيئات مراقبة محلية حديثها عن وجود عشرات الأشخاص “محتجزين في السجون الجزائرية بسبب تعبيرهم عن معارضتهم”. وقالت إن الأحكام التي صدرت بحق هؤلاء المحتجزين استندت إلى مواد قانونية “تُعدّ موضع إشكال” مثل المساس بالأمن أو المصلحة الوطنية، وإهانة موظف عمومي، ونشر أخبار زائفة.

ملاحقات سياسية أم قانونية؟

لكن الأحزاب الداعمة للرئيس تبون تفند تلك الانتقادات الحقوقية بشدة. ويرى عبدالرحمن صالح، الأمين العام لحزب اتحاد القوى الديمقراطية والاجتماعية، أن ملاحقة أي شخص تستند إلى مخالفات قانونية. ويقول بوضوح “لا أعتقد أن السجون الجزائرية يوجد بها صحفي يقبع خلف القضبان نتيجة لنشاطه المهني، كما لا يوجد سياسي مسجون بسبب آرائه، بل بسبب مخالفات للقانون العام”.

ويضيف صالح، وهو محامٍ، أن الجزائريين لم يتعلموا بعد كيفية الاستخدام الصحيح لوسائل التواصل الاجتماعي “وإذا تطرف استخدام حرية التعبير إلى الحد الذي تتحول فيه إلى مهاترات، هنا لابد من تدخل سلطة القانون لتنظيم تلك الممارسات”.

ويرجع أسباب المتابعات القضائية لعدد من الأشخاص “بعدم التقيد الصارم بالقانون وغياب الإيمان بأن الحرية الفردية تنتهي عندما تصطدم بالحرية الجماعية”.

مرشحون مبعدون

ويحق لنحو 24 مليون ناخب داخل الجزائر التوجه لصناديق الاقتراع لاختيار الرئيس الجديد، وهو ما يزيد قليلا على نصف عدد السكان البالغ حوالي أربعة وأربعين مليون نسمة.

واشترط قانون الانتخابات على أي شخص يرغب في الترشح للسباق جمع توقيع 50 ألف ناخب على الأقل أو جمع 600 توقيع لأعضاء منتخبين في المجالس الشعبية البلدية أو البرلمانية.

وترشح في بادئ الأمر 16 شخصا للسباق، لكن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات استبعدت أغلبهم لتبقي على ثلاثة فقط، من بينهم الرئيس الحالي. وقالت إن المبعدين لم يستوفوا الأوراق المطلوبة.

وكان من بين المبعدين زبيدة عسول، وهي محامية وقاضية ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي. رأت في إخراجها من السباق “إقصاء سياسيا”.

وترى أن الإرادة السياسية “غير متوفرة لدى السلطة الحالية لإجراء انتخابات تحدث تغييرا جوهريا ومنافسة حقيقية”. وتتساءل عسول كيف يمكن للمرشحين أن يجمعوا 50 ألف توقيع خلال شهر واحد في فترة العطلات الصيفية وفي بلد مترامي الأطراف بحجم الجزائر.

وتنتقد عسول “توظيف كل إمكانيات الدولية للرئيس الحالي” إذ تؤشر على أنه سيكون الفائز بتلك الانتخابات. واعتبرت أن المناخ العام غير مشجع على الانتخابات نظرا لما رأته تعتيما إعلاميا لا يسمح للمعارضة بشرح برامجها للناخبين فضلا عن التضييق على الحريات العامة، على حد وصفها. وتقول إن المشهد الانتخابي برمته يعكس واقع الحياة السياسية في البلاد على مدار السنوات الخمس الماضية. “حرية التعبير تكاد تكون مستحيلة، فكل من يعبر عن رأي مخالف لرأي السلطة يصبح محل متابعة قضائية”.

“تبرير للفشل”

لكن عبدالرحمن صالح اعتبر أن حديث المرشحين المبعدين عن الإقصاء السياسي “ما هو إلا محاولة لتبرير عجزهم عن جمع التوقيعات المطلوبة”.

ويضيف “إذا كانوا نجحوا في اجتياز العتبة القانونية اللازمة للترشح، ثم مُنِعوا هنا كان من الممكن أن نتحدث عن إبعاد سياسي. كنتُ أتمنى أن يتحملوا مسؤولياتهم ويقروا بإخفاقهم في إقناع الناخبين بمنحهم الثقة”.

وفي ظل كل تلك الآراء المتنوعة، بل والمتضاربة، تكثر التساؤلات بشأن حجم حماس الجزائريين للاقتراع برمته. فالانتخابات التي جاءت بالرئيس تبون للسلطة، قبل خمس سنوات، لم تصل نسبة المشاركة فيها إلى أربعين في المئة. فالمسألة هنا لا تتعلق فقط بمن سيختار الناخب الجزائري، بل بما إذا كان سيذهب لمركز الاقتراع أم لا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى