“أرض الصومال” ـ حلم الاستقلال يصطدم بعقبة الاعتراف الدولي
كتبت بيكيلي إيشيتي, في “DW” :
تنتظر أرض الصومال إبرام اتفاق مثير للجدل مع إثيوبيا، تعترف بموجبه هذه الأخيرة بها دولة مستقلة. لماذا تدعم أديس أبابا هذا الإقليم؟ ولماذا يصر أصحابه على “الاستقلال”؟ وهل سيعترف المجتمع الدولي بالكيان الجديد؟
ستحتفل منطقة صوماليلاند أو بالعربية “أرض الصومال” المنفصلة عن الصومال بذكرى إعلان استقلالها من جهة واحدة الذي تم في 18 مايو/أيار 1991، وهو الاستقلال المزعوم الذي لا يعترف به المجتمع الدولي ولا الاتحاد الإفريقي، لكن هناك دول تتعامل معها.
من هذه الدول هناك إثيوبيا، التي يتفاءل عدد من سكان أرض الصومال بأنها ستدشن مرحلة جديدة من الاعترافات في القارة. وسط التحضيرات بالاحتفال، كانت سلطات أرض الصومال تستعد لإبرام اتفاق مثير للجدل مع جارتها إثيوبيا. وبمجرد توقيع الاتفاق، ستؤكد إثيوبيا اعترافها بأرض الصومال كدولة مستقلة، رغم الاعتراضات القوية من حكومة الصومال في العاصمة مقديشو.
مقابل الاعتراف الرسمي من إثيوبيا التي لا تملك أيّ منافذ بحرية، ستقوم أرض الصومال بتأجير 20 كيلومترًا (12 ميلاً) من الوصول إلى البحر لمدة 50 عامًا لإثيوبيا، بالإضافة إلى السماح لها ببناء قاعدة عسكرية على ساحلها.
ووقع زعيم أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، مذكرة تفاهم بداية عام 2024 كخطوة أولى نحو اتفاق مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. لم يتم الكشف عن تفاصيل مذكرة التفاهم، ولكن بعد توقيعها، لمح المسؤولون الإثيوبيون إلى أن الاتفاق النهائي سيشمل ميناء تجاريًا لمرورهم البحري، لكن يبدو أن توفير ميناء محدد لأغراض تجارية إثيوبية ليس ضمن بنود الاتفاق.
وصرح وزير مالية أرض الصومال، سعد علي شير، لـDW: “ميناء بربرة سيكون متاحًا لجميع الكيانات بما في ذلك الشركات الحكومية والشعب الإثيوبي لاستخدامه، وأضاف “لذلك، لا توجد حاجة إلى بناء ميناء آخر”.
ما الخطوة التالية؟
توصلت DW إلى أن هناك فريق تقني عينه بيهي قد قدم توصياته للاتفاق مع إثيوبيا. وأكد مصدر مقرب من الحكومة لـ DW أن هذا الفريق، الذي يضم “شركات قانون دولي متخصصة ومحامين من أرض الصومال، قد بدأ العمل على وثيقة توضح موقف أرض الصومال بخصوص الاتفاق النهائي”، وأن أرض الصومال قد حددت ثلاثة مواقع محتملة يمكن لإثيوبيا استئجارها لإنشاء قاعدتها العسكرية.
وصرح وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في أرض الصومال، عيسى كيد، لـDW: “لست على اطلاع كافي لأفصح عن أسماء هذه المناطق الثلاث التي نفكر فيها، ولكن سيتم اتخاذ قرار بشأنها مع الجانب الإثيوبي”.
وأوضح: “بعد التوقيع على الاتفاقية والموافقة على القاعدة البحرية وكل الشروط المرتبطة بها،، ستقوم إثيوبيا بالإعلان الرسمي والاعتراف بأرض الصومال”. وأضاف كيد: “أعتقد أنه سيتم الانتهاء من الاتفاقية في الأشهر المقبلة أو ربما شهرين فقط”.
لماذا الاعتراف مهم لأرض الصومال؟
يعلق سكان أرض الصومال آمالًا كبيرة على الفوائد التي سيجلبها اعتراف إثيوبيا. يقول سعد علي شير: “سياسيًا، من المهم لأنه بمجرد الاعتراف بنا، سيكون لدينا صوت في المنصة السياسية الدولية”. وأضاف: “سنتمكن من الاتصال بالنظام المالي الدولي، وسنتمكن من اقتراض الأموال من المؤسسات المالية الدولية”.
يصر الجميع في هارغيسا (العاصمة المفترضة لهذه المنطقة) على أن أرض الصومال ذات سيادة. ويرفضون مصطلحات مثل “انفصالية” أو “معلنة ذاتيًا” لتأكيد سيادتهم. وتقول فاطمة عمر، المستشارة الإعلامية لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في أرض الصومال: “نتحفظ على هذه المصطلحات لأنها تبين كما لو أن وضعنا القانوني ليس دولة”.
حصلت أرض الصومال، المستعمرة البريطانية السابقة، على استقلالها في 26 يونيو/حزيران 1960. لكنها لم تتمتع به إلا لخمسة أيام. ففي 1 يوليو/تموز 1960، اتحدت مع الصومال الإيطالية وشكلت جمهورية الصومال. كان الهدف من الاندماج هو توحيد جميع الصوماليين الذين تم تقسيمهم من قبل المستعمرين.
يقول الدكتور جما موسى جما، باحث في الرياضيات العرقية ومناصر متحمس لأرض الصومال: “لم يكن مشروعًا للصومال وأرض الصومال، بل كان مشروعًا لاستعادة أرض الشعب الناطق باللغة الصومالية”. لكنه لم يدم طويلًا، وحسب جما، “كان هذا الخطأ الذي ارتكبه سكان أرض الصومال”.
كان العالم بأسره ـ خاصة الغرب ـ ضد مشروع خلق دولة كبيرة ناطقة باللغة الصومالية التي ستكون الأكبر في المنطقة حسب تعبير جما، الذي يقول: “فهم سكان أرض الصومال أن ذلك لم يكن عمليا وحاولوا على الفور استعادة استقلالهم”.
استغرق الأمر من أرض الصومال أكثر من ثلاثة عقود لإعلان استقلالها من جانب واحد بعد انهيار حكومة محمد سياد بري في عام 1991 — لكن الإعلان لم يعترف به أبدًا. هذا شيء تسعى إليه الحكومة في هارغيسا والنشطاء مثل جما موسى جما لتغييره الآن.
قال جما: “الاعتراف قد تم منحه بالفعل في عام 1960. نحن نحاول تصحيح تلك الأخطاء والحصول على إعادة الاعتراف بأرض الصومال”. بينما ينتقد محمد ورسام، الموظف السابق في الأمم المتحدة الذي يرأس الآن أحد أحزاب المعارضة في أرض الصومال، المجتمع الدولي لإدارته ظهره لأرض الصومال.
معارضة قوية من الصومال
حتى الآن، بينما يشعر سكان أرض الصومال أنهم قريبون مما سعوا إليه لأكثر من ثلاثة عقود، يواجه حلمهم معارضة قوية من الصومال، إذ لم تقبل هذه الأخيرة أبدًا إعلان أرض الصومال عن استقلالها، وألغى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مذكرة التفاهم بعد خمسة أيام من توقيعها، متهمًا إثيوبيا بـ “محاولة ضم” أراضي الصومال.
وحذر رئيس الصومال في يناير الماضي قائلًا: “هذا الإجراء غير القانوني سيتسبب في توترات وصراع وعدم استقرار إقليمي إذا لم يتم سحبه”. وتصاعدت التوترات بين الصومال وإثيوبيا منذ أن طردت الصومال السفير الإثيوبي من مقديشو وأمرت بإغلاق القنصليات في هارغيسا ومدينة غاروي، عاصمة منطقة بونتلاند شبه المستقلة في الصومال.
كما لا يظهر الاتحاد الإفريقي متحمسًا لفكرة إضافة دولة جديدة، وفي بيان دعا فيه إلى “الهدوء والاحترام المتبادل لخفض منسوب التوتر المتصاعد” بين إثيوبيا والصومال، قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي محمد إنه أمر ضروري ” احترام وحدة وسيادة الأراضي والسيادة الكاملة لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي”.
كما وقف الاتّحاد الأوروبي إلى جانب الصومال، وقال بعد توقيع الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا، إن احترام سيادة الصومال هو “مفتاح” السلام في القرن الإفريقي، وإن التكتل “يود التذكير بأهمية احترام وحدة جمهورية الصومال الفيدرالية وسيادتها وسلامة أراضيها وفقاً لدستورها ومواثيق الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة”.
إصرار على “الاستقلال”
يقول كيد لـDW: “ندرك أن الرئيس الصومالي حسن شيخ وجماعته كانوا يتنقلون بين دول وشركاء مختلفين لإبطال مذكرة التفاهم هذه، لكنني لا أعتقد أن هناك أي إمكانية لذلك”.
وأضاف: “أرض الصومال هي دولة ذات سيادة، وحكومة ذات سيادة. وكحكومة ذات سيادة يمكننا الدخول في علاقات ثنائية وتوقيع اتفاقات مع أي دولة”.
غير أن المجتمع الدولي قلق بشأن التوتر بين الجارين مع تاريخ طويل من النزاعات، وهو أمر “غير منطقي” بالنسبة للدكتور محمد فارح، مدير أكاديمية السلام والتنمية في هارغيسا. ويضيف: “تتمتع أرض الصومال بحقها بموجب القانون الدولي في الحصول على الاعتراف الدولي. لدى إثيوبيا الحق بشكل أحادي في الاعتراف بأرض الصومال”.
بينما يقول مبارك عبد الله، ناشط مدني: “إذا تمكنت الحكومة في أرض الصومال من إقناع أحزاب المعارضة، والجمهور، والبرلمان بأن هذه مذكرة التفاهم والاتفاق اللاحق يخدمان مصالح البلاد، فلا أرى عقبة كبيرة يمكن أن تعيق الطريق”.