رفعت الجلسة في لاهاي
كتب محمد حسن الساعدي, في “العرب”:
قرار محكمة العدل الدولية أدان التصريحات الصادرة عن قيادات سياسية وعسكرية بحق الشعب الفلسطيني كالدعوة إلى الإبادة الجماعية وتدمير البنى التحتية لقطاع غزة واعتبرها تحريضا ضد مدنيين عزل.
على الرغم من سيطرة القوى الغربية على المشهد في الصراع الدائر في قطاع غزة إلا أن محكمة العدل الدولية انتصرت للفلسطينيين. هذا الانتصار يمثل انتصارا لقيم العدل والإنسانية وقرار إدانة للكيان الصهيوني، وهو فضيحة مكتملة الأركان لهذا الكيان الغاصب، خصوصا أن ما قيل على لسان القضاة في المحكمة الدولية، وفي مقدمتهم رئيسة المحكمة القضائية الأميركية دوان دونوغو، وتأكيدها على أن ما قدمته جنوب أفريقيا من أدلة كان مقنعا تماما، إذ أن المحكمة بقرارها الشجاع هذا أكدت أنها المعنية بالنظر بمثل هذه الدعاوى، التي تمثل إبادة جماعية للمدنيين العزل، وإقرارها بحق جنوب أفريقيا برفع الدعوى إلى جانب إقرارها بحق الفلسطينيين بالدفاع عن أنفسهم وتمتعهم بالحماية، وتأكيد القضاة إلزام الكيان الصهيوني ومنعه من تدمير الأدلة المتعلقة بالإبادة الجماعية. هذا بالإضافة إلى أن القرار أكد ضرورة التزام “إسرائيل” بالاتفاقيات الدولية في عدم التعرض للمدنيين، والأهم من ذلك كله قرارها بمنع “إسرائيل” من أي إجراء ضد المدنيين أو محاولة التحريض عليهم.
ما صدر عن محكمة العدل الدولية يمثل روح العدالة والقضاء، كونه صدر بالإجماع. القرار يمثل الضمير المهني والإنساني وليس الانتماء والولاء إلى أي دولة أو موقف أو حتى دعم للعدوان الإسرائيلي. بالإضافة إلى أن محكمة العدل أمرت إسرائيل بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المدمر، حيث تشير التقارير الواردة من وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن عدد الشهداء ارتفع ليصل إلى 29410 وفق آخر إحصائية، معظمهم من النساء والأطفال. وعلى الرغم من عدم صدور قرار يلزم الكيان الصهيوني بوقف الحرب على غزة، إلا أن القرارات الصادرة عنها تشكل ضغطا على إسرائيل وتقيدها، بالإضافة إلى أنها تضع الجيش الإسرائيلي تحت قبضة المساءلة والملاحقة القانونية الدولية.
هذا القرار يمثل بطاقة حمراء بوجه الكيان الصهيوني، والذي سيكون شبحا يلاحق مخططاته ورئيس حربه الذي تلاحقه المساءلة القانونية في العمق الإسرائيلي، على خلفيات فساد واستغلال للمنصب، وأن على إسرائيل أن تكون حذرة في التعامل مع الفلسطينيين، إذ لا يمكن لتل أبيب أن تفعل ما يحلو لها من عدوان وقتل وإبادة جماعية للفلسطينيين. إضافة إلى ذلك، يؤسس القرار لمرحلة جديدة وجدية لكيفية التعامل الدولي مع الكيان الصهيوني بكل ما يتعلق بالعلاقة مع الشعب الفلسطيني. كما أن القرار أدان وبشكل واضح الحديث والتصريحات الصادرة عن القيادات السياسية والعسكرية بحق الشعب الفلسطيني واعتبرها تحريضا واضحا ضد المدنيين العزل، كالدعوة إلى الإبادة الجماعية وتدمير البنى التحتية لقطاع غزة وباقي المدن الفلسطينية ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، ووصف السكان بغزة بالحيوانات البشرية، وغيرها من تصريحات عدائية تمثل عداء واضحا ودعوة إلى القتل، الأمر الذي سيضع كيان الاحتلال تحت طائلة المساءلة القانونية من المجتمع الدولي وبشكل مستمر.
القرار يمثل إنهاء للغطرسة الإسرائيلية وهزيمة منكرة لهذا الكيان، ما يعني أن إسرائيل أمام مرحلة مختلفة وجديدة بكل ما يتعلق بطريقة التعامل مع الفلسطينيين، والأهم من ذلك كله أن إسرائيل خسرت المحافل الدولية والقانونية والقضائية وبات عليها أن تثبت للعالم والمجتمع الدولي أنها لن تستمر بهذه الإبادة وبهذه الطريقة في التعامل مع القضايا المشتركة، وعليها أن تتوقف فورا عن محاولاتها إثبات نفسها في حرب خسرتها مبكرا.