رأي

علاقات طوكيو مع سيول تواجه الخطر

كتب د. عبدالله المدني في صحيفة البيان.

تحل في العام الجاري (2025) الذكرى الستون لتوقيع معاهدة إقامة علاقات دبلوماسية بين اليابان وكوريا الجنوبية، والذكرى الثمانون لتحرر الكوريين من الحكم الاستعماري الياباني.

وكان المفترض أن يحتقل البلدان بهاتين المناسبتين التاريخيتين، ومعهما الاحتفال بانتهاء خلافات البلدين الطارئة في عام 2023 على يد رئيس كوريا الجنوبية المعزول «يون سوك يول» ورئيس الحكومة اليابانية السابق «فوميو كيشيدا»، وتحت ضغوطات مارستها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، لولا التغيرات الحاصلة اليوم في المشهدين الإقليمي والدولي.

فكوريا الجنوبية تعاني من انقسامات واستقطابات داخلية خطيرة، على خلفية إيقاف رئيسها يون عن العمل ومحاكمته بتهمة محاولة الانقلاب على الدستور. وهو انقسام لا يتوقع أن ينتهي بمجرد عزل يون وإجراء انتخابات رئاسية جديدة خلال شهرين (يحتمل أن يفوز بها الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض المصنف كحزب يساري، ورئيسه الشعبوي «لي جاي ميونغ»).

والنظام الحديدي في كوريا الشمالية مستمر كعادته في إطلاق تهديداته، بل زادت عنترياته في أعقاب تحالفاته العسكرية الخارجية.

والحليف التاريخي الأمريكي، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، باتت سياساته متقلبة وغير متوقعة إزاء حلفائه، وتثير المخاوف، خصوصاً بعد الطريقة المهينة التي اتبعها في التعامل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. كما أن سياساته التجارية الجديدة تنطوي على إلحاق الضرر بالاقتصاد الكوري الجنوبي المعتمد على التجارة والتصدير.

وفي حال صعود لي جاي ميونغ إلى السلطة، فإن من المتوقع أن تتدهور العلاقات بين طوكيو وسيئول مجدداً، خصوصاً أن ميونغ عارض بشدة رضوخ الرئيس يون للضغوط الأمريكية سنة 2023 من أجل ترطيب الأجواء بين طوكيو وسيئول، وإنهاء الخلافات من أجل تصديهما مع واشنطن للنفوذ الصيني المتنامي وتهديدات بيونغيانغ. هذا ناهيك عن أنه، بحكم يساريته وسجله السياسي السابق، معروف بعدائه لليابان، وتحدثه باسم الجماعات الكورية التي تنتقد طوكيو بشدة بسبب ما يقال عن جرائم حكمها الاستعماري، وفشلها في تقديم الاعتذار والتعويضات المناسبة.

في مواجهة الرأي القائل بأن ميونغ سوف يكون رئيساً كورياً معادياً بشدة لليابان، ومتصادماً مع ترامب، هناك رأي متفائل مفاده أن الرجل، إذا ما وصل إلى السلطة، سينتهج نهجاً براغماتياً، بمعنى أنه لن يسعى إلى عرقلة ما تحقق من تقدم لجهة العلاقة مع اليابانيين، وسيحافظ على التحالف الأمني الأمريكي ــ الكوري الجنوبي، مع استمرار معارضته للاتفاقية التي أبرمت عام 2015 بين الرئيسة الكورية بارك كون هي ونظيرها الياباني شينزو أبي حول تعويضات ما يسمى بنساء المتعة وعمال السخرة، وذلك تودداً للشارع الكوري الذي يشعر بوطنية مجروحة.

ونجد في طوكيو حضوراً لكلا الرأيين. فبعض الساسة اليابانيين يبدون متشائمين، والبعض الآخر يتبنى التفاؤل الحذر بشأن علاقات بلاده مع سيئول في ظل إدارة ميونغ، قائلاً: «إن شعور البلدين بالتهديد المشترك من قبل الصين وكوريا الشمالية (وربما روسيا) يدفعهما إلى المحافظة على التعاون الثنائي والتعاون الثلاثي الأمني مع واشنطن».

ووسط هذا الجدل يبرز عامل ترامب في المشهد. فكوريون جنوبيون كثر، خصوصاً من معسكر اليمين المحافظ، باتوا يطالبون حكومتهم بتطوير قدرات نووية مستقلة لمواجهة احتمالات إقدام ترامب على التخلي عن الضمانات الأمنية لبلادهم وسحب القوات الأمريكية من أراضيهم، خصوصاً بعد صدمتهم من مواقف ترامب الأخيرة تجاه أوكرانيا وأوروبا والناتو.

وفي هذا السياق، تجب الإشارة إلى أن الحزب الديمقراطي التقدمي عارض طويلاً فكرة تحويل كوريا الجنوبية إلى دولة نووية، لكنه قد يغير موقفه الآن تحت قيادة ميونغ لسحب البساط من المعسكر اليميني من أجل حسم فوزه في الانتخابات المقبلة. وفي هذه الحالة سيكون بحاجة للتعاون مع اليابان والولايات المتحدة، وليس توتير علاقات بلاده معهما، خصوصاً أن اليابان تملك نموذج «الكمون النووي» استعداداً لأي متغير في العلاقات الدولية.

خلاصة القول إنه في حال انتخاب ميونغ رئيساً جديداً لكوريا الجنوبية، وقيامه بتوتير علاقات بلاده مع اليابان، فإن إدارة ترامب المتحفزة للعمل ضد الصين يجب أن تكون مستعدة لاستضافة قمة جديدة بين زعيمي كوريا الجنوبية واليابان، والعمل من أجل إنجاحها وخروجها بوثيقة تؤكد على المشتركات الكثيرة وتغلق باب الخلافات، على نحو ما حدث في قمة كامب ديفيد 2023 التي استضاف فيها بايدن نظيريه الكوري الجنوبي يون سوك يول، والياباني فوميو كيشيدا. ولترامب مصلحة في استضافة مثل هذه القمة، ليس لتفادي انفراط التحالف الأمني الثلاثي فحسب، وإنما أيضاً لتفادي فكرة انضمام سيئول إلى تحالف أوروبي مناهض له.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى