COP28.. «اتفاق الإمارات» الجميع فائزون
كتب محمد جلال الريسي في صحيفة البيان.
قبل أكثر من 30 عاماً استشعر زعماء العالم في ريو دي جانيرو مدى الخطر الذي تواجهه البشرية جراء أزمة الاحترار المناخي. لكن الشعور بالخطر لم يكن كافياً حينئذ، إذ خلت قمة الأرض التي اختاروا لها عنواناً عاطفياً من أي التزامات وغلب عليها تعدد الإرادات وتباين المصالح. بيد أن الأمر الجيد هو الاتفاق على دورية عقد القمة تحت راية الأمم المتحدة.
توالت مؤتمرات COP، لكن العالم احتاج لأكثر من 3 عقود ليخرج للمرة الأولى بالتزامات واقعية في «COP28»، ويتم «إنجاز المهمة» التي طالما نادت بها رئاسة COP28 وهي احتواء الجميع.
للمرة الأولى يتفق قادة وزعماء العالم والمنظمات الدولية والأهلية وقادة الأعمال على خطوط عريضة واضحة ومحددة لإنقاذ الكوكب بعد مناقشات ماراثونية استمرت حتى اللحظات الأخيرة نتج عنها «اتفاق الإمارات»، الذي يمثل حزمة تاريخية من التدابير التي تقدم خطة قوية لنتمكن من تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، وهو ما وصف بانتصار التعددية والدبلوماسية المناخية في مرة أولى وفريدة تتفق فيها كل الدول على هذه النقطة.
فمنذ أول يوم لانطلاق المؤتمر أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عن تأسيس صندوق الحلول المناخية بمبلغ 30 مليار دولار في إنجاز اعتبر نصراً للإنسانية ولكوكب الأرض على حد سواء.
وتجاوزت الالتزامات المالية التي تعهدت بها الدول والمؤسسات المالية الدولية والأهلية مبلغ 83 مليار دولار. تعهدات تميزت بشموليتها وطالت للمرة الأولى النظم الغذائية والصحة والطاقة المتجددة وإزالة الكربون.
لكن النقطة اللامعة في المؤتمر مع كل هذه التعهدات الضخمة تمثلت في نجاح رئاسة COP28 في تيسير التوصل إلى اتفاق تاريخي لتفعيل الصندوق العالمي للمناخ في اليوم الأول، حيث تم بالفعل التعهد بمبلغ 726 مليون دولار، وأعلنت الإمارات خلال الساعات الأولى من الحدث عن مساهمتها بمبلغ 100 مليون دولار في الصندوق.
أظهر المؤتمر المعنى الحقيقي لتقاسم المسؤولية بين دول وشعوب العالم، وتم تصحيح المسار الطويل والضبابي، ووضع الجميع أمام مسؤولياته للحفاظ على معدل 1.5 درجة مئوية والإبقاء عليه في متناول اليد.
ومنذ اليوم الأول حتى اليوم الختامي أظهر COP28 أن العمل بروح التضامن الإنساني والمصير العالمي المشترك من شأنه أن يحتوي الجميع. وحتى يتحقق ذلك كان لابد من سد الفجوة بين الطموح والإنجاز الفعلي من خلال إشراك جميع المعنيين في المفاوضات، وإعادة بناء الثقة بمؤتمرات الأطراف في إطار من الشفافية والوضوح وعدم تجاوز أحد. ثمة نهج واقعي تم تبنيه من البداية يراعي دعم سياسات فعالة وجادة لتحقيق الحياد الكربوني وتصفير الانبعاثات، ودعم سياسات النمو الاقتصادي في الوقت نفسه.
فالعمل المناخي يغذي النمو والازدهار بينما تخدم الوفرة الناجمة عن النمو الاقتصادي السياسات المحفزة للوصول إلى «صافي الانبعاث الصفري».
ورغم تباين الآراء والتوجهات الدولية واختلاف رؤى كل دولة على حدة في كيفية تحقيق هدف الأمم المتحدة بالحياد الكربوني وكذا الاختلاف في كيفية تعويض البلدان النامية.. فقد نجحت رئاسة COP28 في إيصال الرسالة الأكثر اتفاقاً بين الجميع، وهي «إدراك أن العقد الحالي هو عقد حاسم لتحقيق الأهداف المناخية، وتذليل العقبات أمام ذلك، والانتقال من الكلام عن وضع الأهداف إلى تنفيذها، خصوصاً في قضايا التخفيف، والتكيف، والتمويل المناخي، والخسائر والأضرار».
وللمرة الأولى في مؤتمرات COP نجد أول تمثيل رسمي للصحة وللبرلمانيين الدوليين وللأديان فقد احتلت الصحة موقعاً مركزياً في المحادثات.. وعقدت بالتزامن معه وفي المكان نفسه اجتماعات مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي ليعكس تقاسم المسؤولية بين المؤسسات الوطنية التنفيذية والتشريعية. لن يكون من المبالغة في شيء القول إن ما بعد COP28 لن يكون مشابهاً لما قبله ليس لجهة النتائج المحققة فحسب بل بالنظر إلى التوافق الدولي غير المسبوق عليها.
وتكفي الإشارة إلى ما كشفه وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة رئيس مؤتمر أطراف المناخ، معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر أن الجهود المبذولة خلال COP28 أثمرت عن التزام مناخي غير مسبوق من الصين والولايات المتحدة إذ تم جمع الولايات المتحدة والصين في التزام غير مسبوق بتخفيض غاز الميثان والغازات الأخرى غير ثاني أكسيد الكربون على مستوى الاقتصاد بأكمله.
لقد وضع COP28 معايير عالية للإنجاز القائم على الواقعية، ووضعت الإمارات كامل خبراتها وعلاقاتها المتميزة للخروج بنسخة استثنائية لمؤتمر الأطراف وصفتها الوفود المشاركة بأنها الأفضل والأكثر احتواء للجميع، ولهذا يمكن القول بكل أريحية إن كوكب الأرض وجد أخيراً متنفساً للبناء عليه في رحلة تعافيه.