تيريز القسيس صعب.
خاص رأي سياسي …
بعيدا عن كل التحاليل السياسية حول نتائج القمة العربية التي عقدت في جدة، وكيقية استثمارها على ارض الواقع، كان حضور الضيف الاوكراني الرئيس فولودومير زيلنسكي مدويا ومفاجئاً بين مؤيد لحضوره القمة وآخر معارض له ، نظرا لارتباطاته وتحالفاته الدولية لا سيما الاميركية منها والتي تشكل حرجا وانزعاجا لعدد من الدول العربية المشاركة. فمشاركة الضيف الاوكراني خطفت الى حد ما أنظار العالم بعد قرار عودة سوريا إلى الحضن العربي ومشاركتها في أعمال القمة.
فما هي الرسائل العربية التي أراد ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ايصالها إلى الغرب تحديدا، وهل من تزامن بين قمة جدة وقمة الدول السبع التي عقدت في هيروشيما وشارك فيها ايضا زيلنسكي؟
فبحسب المعلومات ، يتبين ان السعودية ارادت عبر هذه القمة احداث “خبطة ديبلوماسية ذكية” في مسار العلاقات العربية الدولية، والعلاقات العربية العربية.
ومما لا شك فيه ان حضور زيلينسكي والرسالة الروسية الرئاسية التي وجهها الرئيس فلاديمير بوتين الى قادة القمة، تظهر حجم الدور السعودي الذي يضطلع به الامير محمد في إمكانية مد الجسور التوافقية والاصلاحية بين العرب والغرب.
كما هي رسالة سعودية واضحة للاميركيين مفادها ان المملكة غير منحازة لروسيا او للصين على الرغم من التواصل القوي بين الثلاثي الصين روسيا والمملكة، وهي وجهت دعوة للرئيس الاوكراني لتظهر قدرتها وامكانيتها بلعب دور فاعل وسطي ووسيط بين أطراف الصراع على الصعيد الدولي، وليس فقط على الصعيد الاقليمي.
وعلى الرغم من تلقي الغرب بكثير من الارتياح دعوة زيلينسكي الى جدة، فمن غير المفترض ايضا ان تزعج الجانب الروسي الذي سبق أن زار وزير خارجيتها سيرغي لافروف الرياض منذ فترة.
السعودية الحاضر دوما
ويرى سفير المملكة العربية السابق في لبنان الدكتور علي عواض العسيري “ان قمة جدة التي تراسها الامير محمد والتي شاركت فيها جميع الدول العربية بمن فيهم سوريا، والرئيس الاوكراني شكلت نقطة تحول مهمة في العلاقات العربية، وباتت قمة استثنائية ناجحة بكل المقاييس والاتجاهات”.
واعتبر “ان انتقال رئاسة الجامعة الى المملكة سيفعل دورها في المستقبل القريب لمتابعة ما تم الاتفاق عليه في قمة جدة.”
واعتبر الديبلوماسي المخضرم في الشأن الدولي والعربي لموقع “رأي سياسي” ان تلبية زيلنسكي دعوة الامير محمد وحضوره أعمال القمة له دلالات مهمة في سعي القيادة السعودية على ايجاد حلول سلمية ووسطية بين اوكرانيا وروسيا، كما أن عامل الحضور الروسي عبر رسالة الرئيس الروسي بوتين للقادة في جدة، يخلق ايضا الأمل في السعي لتحقيق قواسم سلمية مشتركة لإنهاء الصراعات بين الدولتين.
وبعض النظر عن كيفية قراءة الدول الغربية للرسائل السعودية عبر مشاركة زيلينسكي في القمة، الا ان الهدف الاول للملكة يبقي عبر بذل كل الحلول السياسية والجهود العربية ان عبر جامعة الدول العربية أو السعودية، او اي دولة أخرى. فكما بات معلوما فان السعودية تسعى الى تصفير كل الصراعات والازمات في المنطقة والجوار، وفك النزاعات القائمة حاليا والتي تتاثر بها بعض الدول العربية، بحسب ما يقرأ العسيري.
وعن موقف المملكة او الاجراءات الممكن اتخاذها في حال تقاعص الجانب السوري في تطبيق شروط العودة إلى الجامعة، راى أن المملكة بحكمتها وببعد نظرتها الى خطورة إلبقاء متفرجة امام ما يحصل في سوريا، قررت التعاطف مع الشعب السوري وليس من الرئيس الاسد بالذات، للتخفيف من معاناته وازماته في الدول المضيفة والتي تشكل عبءا كبيرا عليهم. فقررت العمل على اعادة سوريا إلى الحضن العربي ضمن شروط محددة ومعينة processus فرضت على الاسد.
واعتبر الديبلوماسي السعودي الذي خدم في بيروت كسفير للمملكة اكثر من ٧ سنوات ،ان الظروف التي وصلت إليها سوريا من عزلة دولية وعربية كلية، وازمات اقتصادية، واجتماعية، ونزوح ولد مشاكل كبيرة لدى الدول المضيفة، اضافة الى معارضة سورية في الداخل وتدخلات سياسية من دول فاعلة …كل ذلك أدى إلى التخبط والانهيار داخل سوريا.
وقال “اليوم امام سوريا فرصة ذهبية عليه استثمارها لترتيب بيته الداخلي ضمن اتفاق العودة ومن ابرزها عودة اللاجئين عودة آمنة عبر تهيئة الأرض لهم وإيجاد حلول لعودتهم.”فالاتفاق مع الأسد الذي يتناول نقاطاً عدة متعلقة بالامن والسياسية والاقتصاد والحياة الكريمة والتي ستكون مدار متابعة وعمل دؤوب من الجامعة العربية، والسعودية، سيكون من الصعب على الاسد التراجع عن التعهدات التي قطعها، لذلك اقول انها فرصة ذهبية لن تتكرر وعليه العمل على تطبيق ما اتفق عليه.
الا ان العسيري الذي شكك بتراجع الاسد عن وعوده، كشف ان هذا الاتفاق الذي ينطلق من برنامج متشعب له أسس واضحة وثابتة، قد تؤدي ربما إلى نشر قوات عربية في الداخل السوري، ثم تليها انتخابات تشريعية، فبلدية….
فمرحلة تطبيق الاتفاق لا تنجز بليلة وضحاها انها طريق طويلة، ولا يجب التفريط بها…