رأي

بعد انتصاره الأخير.. المعارضة في خدمة إردوغان

جاء في مقال للكاتب حسني محلي في “الميادين”:

اتهم إردوغان كليجدار أوغلو وزعماء تحالف الأمة بتلقي التعليمات من واشنطن والعواصم الغربية، إلّا أنّه لم يتأخر في فتح أبواب الحوار مع هذه العواصم الغربية.

قبل الانتخابات التي انتُخب فيها رئيساً للجمهورية للمرة الثالثة، وهو ما يخالف الدستور، كان زعماء كل من حزب الحركة القومية والوحدة الكبرى والهدى الإسلامي والرفاه الجديد واليسار الديمقراطي، وأخيراً المرشح الثالث في انتخابات الرئاسة سنان أوغان، من ألدّ أعداء إردوغان، إلّا أنه نجح في كسبهم إلى جانبه، في مقابل امتيازات سياسية ومالية تحدّث عنها الإعلام التركي بإسهاب.

خارجياً، تحدث الإعلام بإسهاب أيضاً عن دعم كل العواصم الاقليمية والدولية لإردوغان قبل الانتخابات وخلالها، علماً بأن إردوغان وإعلامه اتهما خلالها منافسه كمال كليجدار أوغلو بـ”الحصول على دعم واشنطن والعواصم والأوساط الغربية المتآمرة ضد الدولة والأمة التركيتين”. وصدّق 52%؜ من الناخبين الأتراك هذه المقولات، وصوّتوا لإردوغان، الذي بدأ أيامه الأولى من ولايته الثالثة بفرض عقوبات مالية كبيرة على جميع محطات التلفزيون المعارضة، ويتوقّع كثيرون أن تُلاحَق من جانب المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون، والذي قد يقرّر إلغاء تراخيص هذه القنوات، التي ساهمت في الحملة الانتخابية ضدّ إردوغان، في كل تناقضاته المعروفة، على صعيدَي السياستين الداخلية والخارجية.

وعلى سبيل المثال، اتهم إردوغان كليجدار أوغلو وزعماء تحالف الأمة بتلقي التعليمات من واشنطن والعواصم الغربية، إلّا أنّه لم يتأخر في فتح أبواب الحوار مع هذه العواصم الغربية، فسعى لإقناعها بضرورة مساعدته على تجاوز الأزمة المالية التي تعانيها البلاد بصورة خطيرة. وضماناً للحصول على هذه المساعدات، لم يتردد إردوغان في تعيين محمد شيمشاك، الذي قال عنه في الماضي إنه “محتال”، وزيراً للمالية، وهو يحمل الجنسيتين البريطانية والأميركية معاً، ومعروف بعلاقاته الوطيدة بالأوساط المالية الغربية، والبريطانية منها بصورة خاصة.

كما لم يتردّد إردوغان في تعيين حفيظة غاية أركان محافظةً للمصرف المركزي، وهي أيضاً تحمل الجنسية الأميركية، وعملت هناك في عدد من المؤسسات المالية الأميركية، بما في ذلك أحد المصارف التي أفلست مؤخراً، وكانت أركان رئيسة مجلس الإدارة في هذا المصرف، ومحاكمتها ما زالت مستمرة في أميركا. ومن دون أن يكون واضحاً هل (وكيف) سيحقق الوزير شيمشاك والسيدة أركان التوازن في علاقات إردوغان بالمؤسسات المالية الغربية من جهة، ومن جهة أخرى بالعواصم الخليجية وموسكو، وهي التي ساعدته خلال الأشهر القليلة الماضية على تجاوز الأزمة المالية، وهو ما اعترف به إردوغان شخصياً، في الوقت الذي يراهن آخرون على حنكة إردوغان السياسية في تحقيق التوازن في علاقاته بواشنطن والحلف الأطلسي من جهة، وبكل من موسكو وطهران والعواصم الإقليمية، و”تل أبيب” المتوقع لإردوغان أن يزورها قريباً من أجل ضمان تأييد اللوبي اليهودي الأميركي له في مساعيه للحصول على مساعدات مالية غربية.

بالعودة إلى الداخل، يبدو أن المعطيات برمتها لمصلحة الرئيس إردوغان، ليس فقط لتطبيق ما تبقّى من مشاريعه ومخططاته، من أجل السيطرة الكاملة على جميع المؤسسات والمرافق، وبهدف أسلمة الأمة والدولة التركيين، بل أيضاً لتحقيق انتصار جديد خلال الانتخابات البلدية المتوقع لها أن تجري في آذار/مارس المقبل، إن لم يكن قبل ذلك. وتبيِّن المعطيات أن الجميع في الداخل في خدمة إردوغان، على نحو مباشر أو غير مباشر، وبعلم أو من دونه، بعد أن خرج من الانتخابات منتصراً، ومعنويات منافسيه وأعدائه سيئة جداً، بعد الهزيمة التي لحقت بهم، وهو ما لم يكن يتوقعونه، على الأقل شعبياً، وفق جميع استطلاعات الرأي المستقلة.

ولم يمنع كل ذلك البعض من الحديث عن “نظريات المؤامرة”، التي ترى في أحزاب المعارضة جميعاً جزءاً من مشروع الشرق الاوسط الكبير، الذي يريد لتركيا أن تتحول إلى دولة شرق أوسطية ذات ملامح قومية ودينية، قبل أن تحتفل بالذكرى المئوية لميلاد الجمهورية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، في تشرين الأول/أكتوبر 1923، ويعرف الجميع أن إردوغان يسعى للتخلص من إرثها، سياسياً وفكرياً وثقافياً. ويشير هؤلاء إلى فشل مقصود في الحملة الانتخابية، التي قادها كمال كليجدار أوغلو، ويقولون إن أحزاب تحالف الأمة الستة لم تستنفر كل إمكاناتها بعد الجولة الأولى من الانتخابات، وهو ما ساعد إردوغان على تحقيق انتصاره، بعد أن كسب المرشح الثالث سنان أوغان إلى جانبه في مقابل مصالح سياسية ومالية.

ولم يكُن هذا التقصير هو الوحيد الذي دفع البعض إلى اتهام المعارضة بـ”التواطؤ” مع إردوغان بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبعلم أو من دونه. فبعد إعلان فوز إردوغان في الانتخابات، اختفى قادة أحزاب تحالف الأمة من الساحة السياسية بعد المعلومات التي بدأت تتحدث عن انفجار الخلافات داخل حزب الشعب الجمهوري، بعد أن أعلن أكرم إمام أوغلو تمرده على زعيم الحزب كمال كليجدار أوغلو. وهذه هي الحال بالنسبة إلى الحزب الجيد، الذي تتزعّمه مارال أكشانار، وسط المعلومات التي تتحدث عن احتمالات توحيد حزب المستقبل بزعامة أحمد داود أوغلو مع حزب الديمقراطية والتقدم بزعامة علي باباجان، وليس مستبعَداً لهما أن يعودا إلى حِضن حزبهما الأول، العدالة والتنمية، الذي انشقا عنه، كما انشقت مارال أكشانار عن حزب الحركة القومية، حليف إردوغان.

في جميع الحالات، إن تحقّقت هذه السيناريوهات والتنبؤات فإن الرئيس إردوغان سيحقق هدفه السياسي الأخير، وهو استرجاع إسطنبول وأنقرة والولايات المهمة، كأنطاليا وأضنة ومرسين، من المعارضة التي سيطرت على هذه البلديات في انتخابات آذار/مارس 2019، بعد أن حكم العدالة والتنمية كلاً من إسطنبول وأنقرة مدة 25 عاماً. وهو ما لم ينسَه إردوغان، الذي سيستغلّ خلافات أحزاب تحالف الأمة فيما بينها من جهة، والصراعات الداخلية داخل هذه الأحزاب من جهة أخرى، ليستعيد هذه البلديات التي لا يمكن لمرشحي الشعب الجمهوري أن يفوزوا بها من دون دعم الحزب الجيد والشعوب الديمقراطي الكردي.

ومن المتوقع أن يشهد هو الآخر صراعات داخلية بعد انتقادات عنيفة وجّهها الرئيس السابق صلاح الدين دميرطاش، الموجود في السجن منذ نهاية عام 2016، إلى قيادات الحزب، وقالت إنها لن تترشح لرئاسة الحزب في المؤتمر العام، الذي سينعقد قريباً، وسط المعلومات التي تتوقع انتخاب باشاك دميرطاش، وهي زوجة صلاح الدين دميرطاش، رئيسةً للحزب الذي تراجعت شعبيته في الانتخابات الأخيرة، على الرغم من تقدمه في 13 ولاية جنوبي شرقي البلاد. وسيسعى حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية المقبلة للفوز في البعض من هذه الولايات، التي سيطر حزب الشعوب الديمقراطي على بلدياتها في انتخابات عام 2019. وأمر الرئيس إردوغان آنذاك وزير داخليته سليمان صويلو بإقالة رؤساء البلديات الكرد، وتعيين مسؤولين حكوميين بدلاً منهم، ووضع نحو 45 من هؤلاء الرؤساء في السجون، بعد اتهامهم بالإرهاب؛ أي العلاقة بحزب العمال الكردستاني.

يبقى الرهان في نهاية المطاف على الرغبة الصادقة لأحزاب المعارضة في تعويض هزيمتها في الانتخابات الأخيرة بانتصارات جديدة في الانتخابات البلدية، وإلّا فإن إردوغان سيلقّنها جميعاً الدرس الذي تستحقه، وهذه المرة إلى الأبد، ما دامت لا تتذكر ما أكّده كاتب النشيد الوطني التركي، محمد عاكف، الذي قال: “يقولون إن التاريخ يكرّر نفسه، فلو استُخلصت الدروس منه لما كرّر نفسه”!

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى