افتتاحية اليوم: الكهرباء.. فالج لا تعالج

منذ عقود، تقف أزمة الكهرباء في لبنان شاهداً صارخاً على فشل الدولة المزمن في إدارة أحد أبسط حقوق مواطنيها، فالكهرباء، التي تشكل عصب الحياة اليومية والاقتصاد الوطني، تحوّلت منذ عقود إلى عبء ثقيل ينهك المواطن ويستنزف الخزينة، من دون أي أفق حقيقي للحل. إنها أزمة لم تعد تقنية فقط، بل سياسية بنيوية تعكس خللاً عميقاً في مفهوم الدولة والحوكمة.
لم تكن المشكلة يوماً في نقص الدراسات أو غياب الخطط. على العكس، امتلأت الأدراج بالتصورات، والخطط والاستراتيجيات، لكن ما غاب دائماً هو التنفيذ الجدي، والإرادة الصادقة، والمحاسبة.
جرى التعامل مع ملف الكهرباء كغنيمة سياسية، تتقاسمها القوى والأحزاب النافذة، فتعطلت المعامل، وتأجلت الصيانة، واستُخدمت الحلول المؤقتة كبديل دائم، فيما المواطن يدفع الثمن مرتين: مرة عبر فاتورة الدولة، ومرة عبر اشتراك المولدات.
الطابع السياسة جعل من الكهرباء ساحة صراع بين المصالح، لا مرفقاً عاماً يُدار وفق معايير الكفاءة والشفافية. كل فريق سياسي طرح حله الخاص، لا انطلاقاً من رؤية وطنية شاملة، بل من حسابات فئوية ضيقة، والنتيجة أن القطاع بقي مشلولاً، فيما الخسائر المالية تراكمت إلى مستويات كارثية ساهمت في تعميق الانهيار الاقتصادي.
إن الإصرار على معالجة الأزمة من خلال أي فريق سياسي بعينه هو استمرار للمأزق نفسه، لأن الحل لا يمكن أن يكون حزبياً أو ظرفياً، بل يجب أن يقوم على خطة وطنية مدروسة، واضحة الأهداف والمراحل، تبدأ بإصلاح الإدارة، وتوحيد القرار، وتحديث البنية التحتية، وصولاً إلى اعتماد مزيج طاقة مستدام يخفف الكلفة ويؤمن الاستقرار.
لكن الخطة وحدها لا تكفي، إذ أن المطلوب قرار سيادي صارم يضع حداً للهدر والفساد، ويُخضع الجميع للمساءلة من دون استثناء. فالكهرباء لن تعود طالما بقي التراخي سيد الموقف، ووحدها الدولة القادرة، التي تضرب بيد من حديد على طاولة الإصلاح، تستطيع أن تنهي هذا الشلل المزمن، وتعيد النور إلى بلد يبدو أنه اعتاد العيش في العتمة.



