الرئيس عون: هي رمز لوحدة اللبنانيين حول قيمهم الروحية

احتفلت الرهبانية الانطونية المارونية بمرور 325 سنة على تأسيسها (1700-2025)، فأقامت احتفالا رسميا وشعبيا في دير مار شعيا (المتن) في حضور رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون واللبنانية الأولى السيدة نعمت عون، والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي أكد في العظة التي القاها بعد الانجيل على الصلاة مع الرئيس عون من اجل بسط سيادة الدولة واحلال سلام دائم وعادل على الأرض اللبنانية بكاملها، وبدء خطة إعادة الاعمار، داعيا ان يبقى لبنان “وطن الرسالة والدعوة، وطن القداسة والشهادة، وطن الشركة والتنوع، ارض أرادها الله منارة في هذا الشرق. كما نصلي كي يجعلنا الله إرادة وطنية صادقة وجهدا مستمراً للخروج من عقلية المحاصصة والتعطيل والانغلاق، نحو فكر وطني جامع يبني ولا يهدم، يوحد ولا يفرق”.
أما الرئيس العام للرهبانية الانطونية المارونية الاباتي جوزف بو رعد فقد عاهد في كلمة القاها قبيل انتهاء القداس، رئيس الجمهورية على أن يكون رهبان الانطونية ” رسل المواطنة الجامعة وأصدق المبشرين بها، وان نكون المثال والقدوة في الدفاع عن الخير العام، فلا خير لنا سواه، سقفنا القانون وبه نلتزم من دون مواربة واستكبار نقوم بواجباتنا قبل ان نطالب بحقوقنا، وما لنا من حقوق الا تلك التي تخص من تكرسنا لخدمتهم، وعهدنا ان نؤازركم في ورشة البناء والإصلاح والتطوير”.
في المقابل، تمنى الرئيس عون للرهبانية ان تبقى “منارة ايمان وعلم وثقافة في قلب لبنان والشرق، ومدرسة حياة نهلت منها الأجيال علما ومعرفة والكثير من القيم الروحية السامية”.
القداس
ترأس القداس البطريرك الراعي وعاونه رئيس أساقفة ابرشية انطلياس المارونية المطران أنطوان بونجم والاباتي بو رعد ومجلس المدبرين الآباء بطرس عازار، وميشال خوري، وبشارة إيليا، وإبراهيم بوراجل. ونسق الاحتفال الليتورجي الاب شربل بو عبود، وخدمته جوقة الجامعة الانطونية بقيادة المايسترو الاب توفيق معتوق.
في مستهل القداس القى أمين السر العام للرهبانية الاب الياس شماطة كلمة رحب فيها بالحضور، وقدم لمحة تاريخية عن ولادة الرهبانية في دير مار اشعيا وصولا الى واقعها الحالي وانتشارها في لبنان والعالم. وقال: “ها نحن اليوم، نرفع صلاة الشكر ونُجدد العهد. فمن فكرةٍ كانت في البدء عام ألف وسبعمائة، إلى جماعةٍ حيّة نابضة بروح الله في هذا العام المبارك، صار الفكر كيانًا، وصار الحلم أنتم ونحن وكلُّ من شارك الرهبنة رؤيتها ورسالتها. رهبنة واحدة، بمائةٍ وخمسين راهبٍ ناشطٍ في الحبّ والطاعة والعفّة، من بينهم ثلاثة نساك، وثلاثون ديرًا، تشهد للحضور الرهباني في القلوب والقرى والمدن، واثنتا عشرة مدرسةً تغرس القيم في أجيال اليوم،
وجامعة بفرعين تخرّج إلى حقل الحياة رسلاً وعمّالاً، ومركزٌ للدراسات والأبحاث المشرقية، وميتمٌ في المروج، ومعهدٌ للفنّ الإيقونوغرافي، ومشغل للباس الليتورجي، ومدرسة موسيقية بثلاثة فروع، وجمعية لكشافة الاستقلال،. وانتشارٌ واسع في الخدمة الرعوّية والتعاون مع أصحاب السيادة والكهنة وأبناء الرعايا، من لبنان إلى سوريا وسلطنة عُمان، إلى كندا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية، بليجيكا وإيطاليا ومؤخراً في سويسرا”.
ثم شرح ما يرمز اليه المذبح الذي اعد خصيصاً للمناسبة، باشراف السيدة دنيز طوق والسيد ايلي زيدان، كما تطرق الى محطات عدة في تاريخ الرهبانية. وقال ان شعار اليوبيل هو “فرحون بالرجاء”، وقد نُقش في وسط درجات المذبح، صدىً لنداء الكنيسة الجامعة في يوبيلها الذي أعلنه قداسة البابا الراحل فرنسيس، “حجّاج رجاء”، بدعوة واضحة للسير معاً وعدم الجمود والخمول رغم كلّ الظروف المحدقة بنا.
وتلا رئيس بلدية مار شعيا السيد بول شختورة قراءة من سفر اشعيا، فيما تلا الاب ايلي كعوي الانطوني فصلا من رسائل بولس.
عظة البطريرك الراعي
بعد الانجيل الذي قرأ المطران بو نجم فصلا منه، القى البطريرك الراعي عظة قال فيها: “فخامة رئيس الجمهورية، السيدة اللبنانية الأولى، إن حضوركم اليوم في احتفالين كبيرين: عيد انتقال أمنا مريم العذراء، بنفسها وجسدها إلى السماء، وعيد احتفال الرهبانية الأنطونية المارونية الجليلة بيوبيل مرور 325 سنة على تأسيسها، إنّما يضفي على المناسبتين رونقاً خاصًا مزدوجًا: الرونق الأول ايمانكم الثابت بعقيدة الإنتقال الايمانية التي أعلنها المكرم البابا بيوس الثاني عشر في أول تشرين الثاني 1954. والرونق الثاني الشكر للعناية الإلهية التي رافقت الرهبانية الأنطونية بتقدّم مستمر، وتقديس للذات، واعلان لكلام الله، مع الصلوات والآلام والشهداء، أسوةً بسواها من الرهبانيّات التي تغني كنائسنا في لبنان”.
أضاف: “وها وجودكم اليوم على رأس المصلين من أساقفة وكهنة ورهبان وراهبات، ومن أصحاب الغبطة والفخامة والدولة والمعالي والسعادة، وأصحاب المقامات، وفي مقدمتهم سيادة السفير البابوي المطران Paolo Borgia، دليل على ايمانكم وصلاتكم من أجل لبنان في هذا الظرف الدقيق للغاية، ومن أجل اخراجه من المحنة التي تعيشونها مع معاونيكم في الحكم ومع الشعب اللبناني كافة. وانّا نصلّي معكم من أجل بسط سيادة الدولة، واحلال سلام دائم وعادل على الأرض اللبنانية بكاملها، وبدء خطة اعادة الإعمار. وجودكم معنا اليوم تعبير عن وحدة الإيمان، وعمق التعلّق بالعذراء مريم، التي لا يزال وطننا وشعبنا بحمايتها، وهي ترافق مسيرتنا بالصلاة والنعمة”.
وتابع: “تعظم نفسي الرب …. لأن القدير صنع بي عظائم” (لو 1: 46 و49). عظائم الله لمريم تجد اكتمالها في عيد انتقال مريم بنفسها وجسدها إلى السماء الذي نحتفل به اليوم. أولى العظائم، عصمة مريم من الخطيئة الأصلية، الموروثة من أبوينا الأوّلين، فمنذ اللحظة الأولى لتكوينها في حشى أمها القديسة حنة زوجة البار يواكيم، تدخل الله وعصمها من هذه الخطيئة، لتكون في تصميمه الإلهي أماً نقيّة ممتلئة نعمة للمسيح فادي الإنسان ومخلص العالم. هذه العقيدة الإيمانية أعلنها الطوباوي البابا بيوس التاسع في 8 كانون الأول 1854. ثاني العظائم، بتولية مريم الدائمة. فقد أصبحت أماً للكلمة المتجسد بقوة الروح القدس، من دون زرع بشري فكانت عذراء قبل الميلاد وفيه وبعده، وتمّت نبوءة اشعيا: “ها العذراء تحبل وتلد ابناً اسمه عمانوئيل” (متى 1:23). ثالث العظائم، امومتها لابن الله المتجسّد. وهذه عقيدة ايمانية اعلنها مجمع أفسس سنة 431: بقوله إن مريم هي والدة الإله في الزمن. رابع العظائم، شريكة الفداء. فبايمانها الصامد وصلت مع ابنها الفادي الإلهي حتى الصليب، متألمة معه بصبر وصمت، لكي يتحقق كل تدبير الله الخلاصي (الدستور العقائدي في الكنيسة، 58). خامس العظائم: أمومة مريم للكنيسة أعلنها القدّيس البابا بولس السادس أثناء المجمع الفاتيكاني الثاني. تتويج هذه العظائم، انتقال العذراء بنفسها وجسدها إلى مجد السماء. هي عقيدة ايمانية أعلنها المكرّم البابا بيوس الثاني عشر في أول تشرين الثاني 1954، بهذه الكلمات: “تتويجاً رفيعاً لانعاماتها، شاء الله ان ينقلها بنفسها وجسدها إلى مجد السماء الأسمى، حيث تتلألأ ملكة عن يمين ابنها الملك الذي لا يموت إلى دهر الدهور” (براءة اعلان العقيدة: الدستور الرسولي: “الله العجيب جدًا”).
وقال: “نحتفل اليوم بيوبيل 325 سنة لتأسيس الرهبانية الأنطونية المارونية الجليلة. ففي 15 آب 1700 بدأت الرهبانية مسيرتها ببركة البطريرك جبرائيل الثاني البلوزاني، مع ثلاثة رهبان صعدوا من دير طاميش إلى تلة مار اشعيا- برمانا وأسسوا هنا بذار الحياة الرهبانية. فإنّا نهنّئ الرهبانية بيوبيلها، بشخص قدس الرئيس العام الأباتي جوزيف بورعد، والآباء المدبّرين، وسائر أبناء الرهبانية، المئة والخمسين، العاملين في أكثر من ثلاثين ديراً في لبنان وبلدان الإنتشار، ويديرون اثنتي عشرة مدرسة وجامعة، وميتماً للأطفال المتروكين، وسواها من النشاطات الروحية والراعوية والإجتماعية والإنسانية والثقافية والموسيقية. وللرهبانية نشاط مرموق على الصعيد الرسالات في بلدان الإنتشار، مثل روما، وفرنسا، وبلجيكا، وسويسرا، وكندا، وأستراليا وسوريا، وسلطنة عمان”.
أضاف: “يتزامن يوبيل تأسيس الرهبانية الأنطونية مع يوبيل الكنيسة الكبيرة الذي أعلنه السعيد الذكر البابا فرنسيس بموضوع :”الرجاء لا يخيب” (روم 5: 5). والرهبانية اختارت ليوبيلها شعار: “فرحون بالرجاء” (روم 12:12). عرف تاريخ الرهبانية التهجير والمجاعات والمجازر، لكن أديارها ظلّت أديار رجاء، وخدمة وصلاة. ولها شهداء سقطوا من دير مار روكز إلى جزين وعجلتون، حتى الأبوين البير شرفان وسليمان أبي خليل اللذين خطفا من دير القلعة، ولا يزال مصيرهما مجهولاً. لكن الرهبانية تسير إلى الأمام بالصلاة والتقشّف والنسك. وفيها اليوم ثلاثة حبساء، يجسّدون بأجسادهم على الأرض، وبقلوبهم في السماء، المعنى الأعمق للتفرّغ الكامل لله، شباب نذروا النسك ليكونوا ملحاً يقدّس العالم بالوحدة والصمت والصلاة. في كلّ هذه الحالات، سارت الرهبانية وتسير بروحانية القديس أنطونيوس الكبير، وتشع بنور الإيمان والمحبة والخدمة، نورٍ عمره 325 سنة ولن ينطفئ.”
وختم: “من أمام أمنا العذراء مريم، التي صنع فيها الله العظائم، نرفع انظارنا إلى لبنان الجريح والمتألم، لكنه الغني بنعمة الله التي تصنع فيه العظائم، لأنه وطن الرسالة والدعوة، وطن القداسة والشهادة، وطن الشركة والتنوع، أرض أرادها الله منارة في هذا الشرق. نصلّي كي يجعلنا الله ارادة وطنية صادقة، وجهداً مستمراً للخروج من عقلية المحاصصة والتعطيل والإنغلاق، نحو فكر وطني جامع، يبني ولا يهدم، يوحّد ولا يفرّق”.
تهنئة الرئيس عون
بعد انتهاء القداس انتقل الرئيس عون واللبنانية الاولى والبطريرك الراعي والسفير البابوي والاباتي بو رعد والمطارنة والحضور إلى صالون دير مار اشعيا حيث هنأ رئيس الجمهورية الرهبانية الانطونية في يوبيلها منوهاً بعطاءاتها على مدى السنوات ال ٣٢٥ الماضية وقال : “كانت الرهبانية على مدى هذه السنوات وستبقى ، منارة إيمان وعلم وثقافة في قلب لبنان والشرق، ومدرسة حياة نهلت منها ألاجيال علماً ومعرفة والكثير من القيم الروحية السامية”.
واضاف: “لقد كان للرهبان الأنطونيين دور بارز في النهضة الثقافية والتعليمية في لبنان والمنطقة، من خلال إقامة المدارس والمعاهد، وإحياء التراث الماروني ، والمساهمة في بناء الإنسان اللبناني المتجذر في قيمه والمنفتح على العصر. وفي زمن التحديات الراهنة، سوف تبقى الرهبانية الأنطونية شاهداً حياً على قدرة الإيمان والعلم على تخطي المحن وبناء المستقبل، ورمزاً لوحدة اللبنانيين حول قيمهم الروحية وانتمائهم الحضاري.
بارك الله في مسيرتكم المباركة، وأدام عليكم نعمة الخدمة والعطاء، وحفظ لبنان بصلواتكم ونذوركم المقدسة.”
وبعد ذلك انتقل الجميع إلى عشاء أقيم للمناسبة في باحة الدير قطع في نهايته الرئيس عون والسيدة الاولى والبطريرك والسفير البابوي والاباتي بو رعد قالب حلوى في المناسبة.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام