رأي

النفط والذكرى العشرين لغزو العراق: ماذا عن العشرين سنة المقبلة؟

كتب الخبير أنس بن فيصل الحجي في “الاندبندنت عربية”:

يمكن القول من دون أي تحفظ إن أكثر دولتين في العالم أثرتا في أسواق النفط في الـ 120 سنة الأخيرة هما إيران والعراق، وإن كانت إيران تتفوق على العراق في ذلك، بسبب الأزمات السياسية في هذين البلدين أو بينهما، واحتلال بريطانيا والاتحاد السوفياتي لإيران في صيف 1941، وبدا أثر العراق واضحاً عندما تم تأميم النفط في بداية السبعينيات، ثم الحرب العراقية- الإيرانية، ثم غزو الكويت وحرب الخليج التي تلتها، ثم برنامج الأمم المتحدة المسمى “النفط مقابل الغذاء”، ثم مشكلات مفتشي الأمم المتحدة، ثم الغزو الأميركي للعراق واحتلاله، ثم ظهور “داعش”، ثم الخلاف بين الحكومة العراقية المركزية وحكومة كردستان، وقرار محكمة دولية يوم الجمعة الماضي الذي حكم لصالح الحكومة العراقية ضد الحكومة التركية، وهو في الواقع ضد حكومة كردستان، هذه التطورات أدت إلى وقف ضخ نحو 450 ألف برميل يومياً من شمال العراق عبر خط الأنابيب الواصل إلى ميناء جيهان التركي، القضية تتركز حول مخالفة تركيا لاتفاقية ثنائية بين العراق وتركيا، وتجاوزتها تركيا عندما تعاملت مع حكومة كردستان مباشرة وتجاهلت الحكومة المركزية.
وعند كتابة هذه المقالة نشرت وكالة “رادو” الكردية خبراً مفاده أنه تم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان على إعادة ضخ النفط في الأنبوب خلال يوم أو يومين، على أن تلتزم حكومة كردستان الاتفاق الجديد القاضي باستلام الحكومة المركزية إيرادات النفط عندما يتم تبني قانون الموازنة الجديد، ولكن ليس واضحاً ما إذا تم التنسيق مع الجانب التركي، ولكن من الواضح أن التوقف مؤقت، وأنه ليس في مصلحة أحد، لذا يعمل الجميع على استئناف ضخ النفط.
وكان من أهم التطورات التي حصلت خلال العشرين سنة الماضية، زيادة الطاقة الإنتاجية من ثلاثة ملايين برميل إلى خمسة ملايين برميل، وزيادة الإنتاج من نحو 2.5 مليون برميل يومياً إلى 4.5 مليون برميل يومياً. وتشير البيانات إلى زيادة مستمرة في إنتاج النفط العراقي منذ عام 2005، إلا أن التخفيضات منذ عام 2019 تعود إلى أمور فنية، والالتزام بحصص “أوبك” الإنتاجية، ولا يختلف اثنان على أن بقية قطاع الطاقة يعاني بشدة، فلم يطور حتى الآن قطاع الغاز، الذي يحرق بكميات كبيرة لدرجة أن العراق يحتل المركز الثاني في حرق الغاز في العالم بعد روسيا.
ولعل أحد أهم التطورات هي تلك التي لم تحدث، تخصيص قطاع النفط كما أرادت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في البداية، وتمت صياغة الدستور بحيث يبقى النفط ملكية عامة تديره الحكومة، كما لم يؤسس صندوق خاص توزع من خلاله عوائد النفط على الشعب العراقي، ولو حصل أي منهما أو كلاهما لكان كارثة على العراق والشعب العراقي.

المستقبل: زيادة الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يومياً

في عام 2010، أعلنت الحكومة العراقية أنها تخطط لرفع إنتاجها إلى 12 مليون برميل يومياً بحلول عام 2017، وهي تعادل الطاقة الإنتاجية للسعودية، وقتها قمت بعمل دراسة نُشرت نتائجها التي تقول إن أقصى ما يمكن أن يصل إليه العراق حسب المعطيات وقتها، هو 4.9 مليون برميل يومياً، وهو فعلاً ما حصل، تماماً كما كان متوقعاً، وخلاصة الدراسة نُشرت في منتصف عام 2010 باللغتين العربية والإنجليزية.
تقول الحكومة العراقية إنها تخطط لزيادة إنتاج النفط إلى ثمانية ملايين برميل يومياً، احتياطيات العراق من النفط، التي تقدر بنحو 140 مليار برميل، تدعم هذا المستوى من الإنتاج، ولكن هناك عقبات عدة قد تمنع تحقيقه وإذا تحقق، فهناك عقبات أخرى في وجه الصادرات، وقبل البدء بأي مشاريع جديدة لا بد من تخفيض حرق الغاز أو وقف الحرق تماماً، حيث إنه ثروة وطنية مهدرة من جهة، ولازمة لتطوير قطاع الطاقة في العراق من جهة أخرى.
وعلى رغم تحسن الوضع بشكل كبير منذ عام 2010، لا يزال هناك عديد من التحديات الكبيرة، وبصرف النظر عن الافتقار إلى البنية التحتية والكهرباء والمياه يجب كبح الفساد، ومشكلة العراق الأساسية أنه حتى لو تمت زيادة الإنتاج فليس هناك موانئ وأنابيب كافية لتصديره، فالعراق بلد شبه مغلق حيث يبلغ طول ساحله على الخليج نحو 50 كيلومتراً فقط، تتنافس عليها صناعات ومؤسسات مختلفة، بما في ذلك الجيش والقوى البحرية، حتى لو انتهى بناء خط أنابيب النفط بين البصرة والعقبة، فإن الكميات التي سينقلها محدودة، وعودة الخط السعودي إلى البحر الأحمر شبه معدومة، وفكرة بناء خط جديد صعبة القبول والتمويل.

وهناك قضية أخرى مثيرة للجدل وهي كيفية زيادة الإنتاج بشكل كبير في عالم يجتمع سنوياً لمكافحة تغير المناخ، بخاصة أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العراق تضاعفت منذ الغزو وحتى الآن وبلغت حوالى 145 مليون طن في عام 2022.
وتبقى مشكلة إيران، فتوسيع قدرة العراق الإنتاجية تعني أنه يجب تسوية الأمور المتعلقة بالحقول الحدودية المشتركة، التي استثمرت فيها إيران بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وستكون هذه قضية خلافية للغاية، إضافة إلى ذلك، تحصل إيران على إعفاءات من العقوبات الأميركية لتزويد العراق بالكهرباء والوقود والغاز الطبيعي، ستدافع إيران عن حصتها السوقية في العراق لأنه السوق الوحيدة المضمونة بموجب العقوبات، بعبارة أخرى، ستعرقل إيران أي جهود عراقية من شأنها أن تقلل الاعتماد على واردات الطاقة من إيران.
عند الحديث عن التحديات، ما عليك سوى إلقاء نظرة على عقد “توتال” للطاقة بقيمة 27 مليار دولار الذي يغطي النفط والغاز الطبيعي والطاقة الشمسية ومحطات الكهرباء، على رغم توقيعه في عام 2021، إلا أنه ما زال كرة تتلاعب بها الأحزاب السياسية حتى الآن.
وإذا افترضنا حل كل المشكلات السياسية والاقتصادية، فإن تاريخ صناعة النفط العالمية بخاصة من العراق، يعلمنا أن زيادة الإنتاج بكميات كبيرة يستغرق سنوات عدة، ومع زيادة الطلب العالمي على النفط في السنوات المقبلة، فإن زيادة العراق للإنتاج لن تؤثر سلباً في أسعار النفط، بل على العكس، الزيادة ستسهم في استقرار أسواق النفط. 

المشكلة ليست في الطلب على النفط مستقبلاً، المشكلة في التقلبات والدورات الاقتصادية التي قد تؤدي في بعض الأوقات إلى انخفاض مؤقت في الطلب عليه، عندها قد تصبح زيادة الإنتاج في العراق مشكلة لـ “أوبك+”، ولدول الخليج.

وكان خبراء عراقيون أثاروا منذ سنوات فكرة أن زيادة إنتاج العراق مع تخلي السعودية عن دورها المرجح في أسواق النفط قد يؤدي إلى انتقال دور “المنتج المرجح” إلى العراق، بخاصة أن تكلفة إنتاج النفط في العراق من الأقل في العالم، والرد على ذلك بأن تاريخ إنتاج العراق من النفط، واحتياجاته المالية الضخمة في السنوات المقبلة تمنعه من تبني دور المنتج المرجح.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى