باسيل يخسر أولى معاركه السياسيّة بعد خروج عون من بعبدا.. ويُحضّر للتصعيد!
كتبت صحيفة “الديار” : خسر رئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل اولى معاركه السياسية الجدية بعد خروج الرئيس ميشال عون من بعبدا، وجاء انعقاد مجلس الوزراء في جلسة استثنائية بالامس، بعد محاولات مستميتة لمنعها، كانت اختبار اول “للكباش” السياسي المفتوح بين التيار الوطني الحر من جهة وعين التينة والسراي الكبير من جهة أخرى، حيث نجح الرئيس نبيه بري والرئيس المكلف نجيب ميقاتي في التسجيل في مرمى “البرتقالي”، في مواجهة كان بالامكان تجنبها وعدم خوضها، خصوصا ان باسيل لم ينجح في اقناع حزب الله بمبررات رفض انعقاد الجلسة، وقد تأمّن النصاب عبر الوزير المحسوب على حزب الطاشناق الذي “تمرد”، لانه لم يكن مقتنعا اصلا ببيان الوزراء التسعة، وراهن على قيام ميقاتي بتأجيل الجلسة، لكن مع الاصرار على انعقادها لم يكن امام الحليف الارمني سوى حضور جلسة ببنود “مختصرة”، عنوانها الاساسي استشفائي يحمل صفة الضرورة.
ووفقا لمصادر بارزة، لم يتعرض باسيل للخيانة من احد، بل لم ينجح في قيادة معركة رابحة، “الطاشناق” لم يقتنع فلم “يمش” لان المبررات غير مقنعة، حتى لو “تلطى” وراء ان الوزير غير حزبي، وبدون “ضوء اخضر” ما كان ليتخذ الوزير قرار المشاركة. كذلك ليست المرة الاولى التي “يفترق” بها حزب الله والتيار الوطني الحر في خيارات سياسية داخلية، ولا يزال “هامش” الاختلاف تحت “السيطرة” وضمن السياق المقبول، الذي لا يهدد اسس العلاقة التي باتت تحتاج الى صيانة عبر حوار مفتوح سيحصل عاجلا او آجلا على كل القضايا العالقة. لكن لا يمكن “للتيار” الذي يقف في وجه ترشيح الحزب لرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية في السباق الرئاسي علنا وبطريقة “فجة”، ان يلوم حليفه على خيارات لا يرى فيها ضربا للميثاقية او حصارا لحليفه.
في هذا الوقت عادت الرهانات على حراك خارجي يمكن ان “يفتح كوة” في جدار الاستحقاق الرئاسي، مع عودة الحديث عن عودة قريبة لاستئناف المفاوضات الايرانية- السعودية برعاية عراقية، وهو امر تعوّل عليه الديبلوماسية الفرنسية التي فشلت حتى الآن في تحقيق اي اختراق في الاتصالات مع الرياض وواشنطن.
باسيل يخسر “المعركة”
لم تنجح ضغوط التيار الوطني الحر في ثني رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي عن عقد جلسة استثنائية للحكومة. ميقاتي الذي قالت مصادره ان هذه الجلسة لن تكون “يتيمة” وستعقد عند الحاجة الملحة، اتهم “المعطلين” دون ان يسميهم بانهم يتلطون وراء الدستور على حساب حياة المواطنين، رافضا المشاركة في الجريمة، وقد نجح في تأمين النصاب في حضور 16 وزيراً، من بينهم وزير الصناعة جورج بوشكيان المحسوب على حزب الطاشناق، والذي اخترق الكتلة الوزارية المحسوبة على”التيار”، على الرغم من ان اسمه ورد في بيان المقاطعة أمس الاول، مع ثمانية وزراء آخرين.
وعلم في هذا السياق، ان “الطاشناق” كان واضحا في تأكيد حضور وزيره اذا عقدت الجلسة، وهو “ساير” باسيل في محاولة منع انعقادها فقط. كما ان بوشكيان ليس حزبيا، وتربطه علاقات وطيدة مع ميقاتي. كما حضر من بين الوزراء المقاطعين وزير الشؤون الاجتماعية هكتور الحجار، الذي أدلى بمداخلة بصوت عال ومحاولة الاشتباك “الجسدي” مع ميقاتي لتخريب الجلسة دون ان ينجح في ذلك. ووفقا للمعلومات، فان الحجار حاول اثارة “الصخب” في بداية الجلسة في محاولة لتطييرها من الداخل، وعلا صوته على رئيس الحكومة المكلف، متحدثا عن انه يحاول اختزال صلاحيات رئيس الجمهورية، محاولا شرح اسباب المقاطعة، وعندما حاول الاقتراب من ميقاتي منعه الوزير محمد مرتضى والوزير بيرم، وعندما فشل الحجار في منع الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية من تلاوة جدول الاعمال، غادر ثم عاد وتمسك ميقاتي بانعقادها رافضا تأجيلها…
ميقاتي والمشاركة في “الجريمة”
وفي مستهلّ الجلسة، قال ميقاتي إنّ الجلسة التي نعقدها استثنائية بكلّ معنى الكلمة، والأكثر استثناءً فيها هو الملف الطبي الذي كان شرارة عقدها، وهو المتعلق بحقوق مرضى السرطان وغسيل الكلى. ولولا هذا الملف لما دعونا إلى هذه الجلسة، لكن إذا كان البعض يتلطّى وراء الدستور والعيش المشترك، فنقول له إنّهما لا يتحقّقان بموت الناس، وبكلّ الأحوال لن يحصل ذلك عن يدنا. أضاف: نحن نعلم أنّه في قانون العقوبات، هناك بند يختصّ بجرائم الامتناع، وإذا كنا سنجاري الداعين إلى عدم عقد هذه الجلسة، فسنكون مشاركين في جريمة قتل بالامتناع، وهذا أمر لن يحصل.
وقال: “وصلنا إلى نقطة لم نعد قادرين فيها على الإنفاق على مرضى السرطان وغسيل الكلى، فهل يريد البعض أن نرتكب جريمة جماعية ضدهم؟ إذا كان هذا هو المطلوب، فعندئذ لنمتنع عن تحمّل المسؤولية، وليتحمّل كلّ طرف مسؤولية أعماله ونتائجها. وأشار إلى أنّ هذه الرسالة أوجهها لجميع اللبنانيين، ولكلّ المراجع الروحية والنيابية والسياسية والاجتماعية، فإذا كانوا يريدون للبلد أن ينهار نهائياً، فأنا لست مسروراً بهده المهمة التي أتلقى فيها مئات الطلبات، وأنا عاجز عن تنفيذها.
مواقف ومقررات
وإلى بوشكيان والحجار، شارك في الجلسة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ووزراء التربية القاضي عباس الحلبي، الداخلية بسام المولوي، الاتصالات جوني القرم، الإعلام زياد مكاري، البيئة ناصر ياسين، الزراعة عباس الحاج حسن، الصحة فراس الأبيض، التنمية الإدارية نجلا الرياشي، العمل مصطفى بيرم، الثقافة محمد وسام مرتضى، الشباب والرياضة جورج كلاس، المال يوسف خليل، الأشغال العامة علي حميه، في حضور الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية والمدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير. واهم البنود التي اقرت طلب الموافقة على الطلب المقدم من مصرف لبنان، لسداد مبلغ 35 مليون دولار أميركي شهرياً للأشهر الثلاثة المقبلة لزوم شراء الأدوية للأمراض المستعصية والمزمنة والسرطانية، ومستلزمات طبية وحليب ومواد أوّلية لصناعة الدواء، وذلك من حقوق السحب الخاصة.
وبعد انتهاء الجلسة، أوضح حجار أنّه تمّ خلال الجلسة اتخاذ “قراراتٍ أساسية بشأن القطاع الصحي وهيئة أوجيرو”، ولفت إلى أنّ “مجلس الوزراء تحت سقف الدستور وما من وزير ملك وجميعنا في خدمة البلد. إلى ذلك، قال الحجار، في تصريح عقب الجلسة، إنّه “لا يمكن اتهام أيّ وزير بالإجرام بسبب عدم حضوره الجلسة”، وأعلن أنّه طلب من ميقاتي “التراجع خطوة إلى الوراء”. وقال: “كنت أتمنى أن نأتي بعد الظهر للتشاور حول كيفية إدارة البلاد في هذه الأزمة إلا أن رئيس الحكومة أصرّ على إكمال الجلسة، فسجّلت هذا الموقف وخرجت منها”. وأضاف: “لسنا بصدد معارك وهمية وإنّما يجب إيجاد البوصلة لإدارة البلد في غياب رئيس الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال بكلّ دستورية وميثاقية، ولنترك ملف الرئاسة للنواب ومجلس النواب”.
“الثنائي” يدعو للحوار
بدوره، قال وزير العمل مصطفى بيرم إنّنا “حصرنا الجلسة بالملفات الأساسية التي لا يمكن تأجيلها، ونحن ندعو إلى الحوار ولا نضغط على أحد”. من جهته، أعلن وزير الأشغال علي حمية، رفض “البند على القيمة المضافة وبند التعرفة الجديدة للبترول وتقرّر استمرار شركات الكنس والجمع في عملها حتى السنة المقبلة”. واكد وزير الاعلام زياد مكاري انه تم تأجيل موضوع الدولار الجمركي، وأنّه من المستحسن أن يكون هناك جلسة تضمّ وزراء أكثر”، مشيراً إلى أنّ “هناك كثيراً من البنود الملحة، وهناك مواضيع لا تنتظر إلى نهاية السنة، فهناك استحقاقات تستوجب دفعها، وإلا ستقع غرامات على الدولة اللبنانية وعلى الصناديق والهيئات”. وعن الضريبة الموضوعة على شريحة واسعة من الناس، أكد أنّ وزير المال سيعمل على الموضوع لإعادة النظر به لأنّ الاعتراض كبير عليه.
تجدر الاشارة، الى ان المقررات لا تحتاج الى توقيع 24 وزيرا. وعند الثالثة من بعد ظهر امس، عقد اجتماع تشاوري للوزراء حضره 14 وزيراً، بمن فيهم الوزيران وليد نصار وهكتور الحجار من الوزراء الذين لم يحضروا جلسة الحكومة. وقال نصار بعد اللقاء: نأخذ القرار بما خص حضور جلسات مجلس الوزراء من عدمه كل جلسة بجلستها. اما وزير التربية عباس الحلبي فقال: ربما نكون مدعوين الأسبوع المقبل إلى جلسة حوارية أخرى للوزراء قبل اجتماع لجلسة مجلس الوزراء. ووفقا للمعلومات، تم الاتفاق على عقد لقاء تشاوري جديد يوم الاثنين المقبل.
رد “التيار”؟
في المقابل، يعدّ النائب جبران باسيل للتصعيد على اكثر من “جبهة”، وهو عقد اجتماعا افتراضيا مع الوزراء المقاطعين، واتخذ القرار بالاستمرار في المقاطعة، كما يتجه التيار الوطني الحر الى الطعن في قرارات مجلس الوزراء امام مجلس شورى الدولة. ووفقا للمعلومات، لن يتوانى باسيل عن فتح “النار” على ميقاتي وكذلك على “الثنائي الشيعي”. بينما لم يقرر بعد كيفية التصويت في مجلس النواب رئاسيا، وثمة خيارات كثيرة تدرس في هذا الاطار.
وكان وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، اكد ان هذه الجلسة غير دستورية، بالاضافة الى ان ما اتفق عليه ضمن اطار حكومة تصريف الاعمال، هو تصريف الاعمال ضمن النطاق الضيق، الا في الحالات الملحة جدا جدا وطارئة جدا”. بدوره انتقد عضو تكتل “لبنان القوي” النائب أسعد درغام “الثنائي الشيعي”، وقال: ان “من يُطيّر جلسات المجلس النيابي معروفون وهم من غير المسيحيين”، داعيا المسيحيين الى “الجلوس معا والتناقش للتوصل الى مرشح لرئاسة الجمهورية مقبول من الجميع”. وقال: “الثنائي” يُعطّل جلسات انتخاب الرئيس، ويُراهن على تعبنا من أجل التفاوض على مرشحه سليمان فرنجية، وأقول له من باب النصيحة، ان هذا الامر يزيد من النقمة المسيحية عليه”. ولفت درغام الى “وجود إتفاق سابق بعدم انعقاد جلسة لمجلس الوزراء الا بحال الضرورة، وبعد التشاور مع مختلف الأفرقاء السياسيين”، وشدد على أن “الثنائي الشيعي يريد الضغط على حلفائه لايصال مرشحه سليمان فرنجية عبر الذهاب لانعقاد جلسة مجلس وزراء للايحاء بأن البلد يسير بشكل طبيعي بالرغم من شغور الموقع الرئاسي”.
هل يتحرك الاستحقاق الرئاسي؟
وفيما، تراهن بعض القوى السياسية على مطلع العام الجديد، لدخول الاستحقاق الرئاسي اللبناني في مرحلة جديدة مختلفة عن المرحلة الحالية، كشفت مصادر بارزة ان الرهان هو على عودة تحريك ملف المفاوضات الايرانية – السعودية التي يفترض ان تعيد” خلط الاوراق” لتصبح المفاضلة بين مرشحين جديين هما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون.
وبما ان الافق مسدود داخليا، يبدو الرهان على انضاج مفترض “للطبخة” الخارجية التي تحاول فرنسا انضاجها دون تحقيق تقدم، بفعل عدم تجاوب الاميركيين وانعدام الرغبة السعودية بالتدخل دون ثمن في المفاوضات مع ايران. واذا كانت الاطراف الداخلية تدور في حلقة مفرغة علنا، فانها وراء الكواليس تجري حساباتها دون ان تسقط منها اي احتمال، فالكل ينتظر التسوية الخارجية ويحاول عدم “حرق مراكبه”.
وهنا يندرج الحوار القائم بين “القوات اللبنانية” و”تيار المردة”، ووقوف رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” في منطقة “وسطية”. واذا كان “الثنائي الشيعي” يحتفظ بتوقيت اعلان تبني ترشيح فرنجية علنا، ريثما تتبلور الامور على نحو واضح، يبقى التيار الوطني الحر في موقف “محرج” لانه يخشى ان تحصل التسوية هذه المرة على حسابه، اذا حصلت التفاهمات الخارجية، ولهذا يحاول باسيل الحصول على ضمانات بدور داخلي وفك حصار خارجي، دون ان يحصل تقدم حتى الآن، حتى بعد تمايزه رئاسيا عن حزب الله.
التفاوض الايراني – السعودي؟
وفي هذا السياق، اكدت مصادر ديبلوماسية ان بغداد استأنفت اتصالاتها مع طهران والرياض، لعقد جلسة تفاوض جديدة بين البلدين. وقد وجهت ايران بالامس “رسالة” ودية الى السعودية عبر الخارجية الإيرانية، التي اعلن المتحدث باسمها ناصر كنعاني أن بلاده ترحب بالمفاوضات مع السعودية لإعادة العلاقات بين البلدين، ولفت إلى أن الأرضية ممهدة لتحسين العلاقات مع الرياض. ورحب كنعاني بأي وساطة لاستئناف المفاوضات، لافتا الى ان الحكومة العراقية بذلت جهودا صادقة في الوساطة بين طهران والرياض.
ووفقا للمصادر ذاتها تحاول بغداد عقد لقاء سعودي – ايراني على مستوى قيادات اجهزة الاستخبارات، بعد ان توصلوا الى التفاهم على “نقاط كثيرة”. وثمة نقاش جدي لرفع مستوى التفاوض الى مستوى وزراء الخارجية، وسيكون اللقاء السادس اذا عقد، مقدمة لرفع مستوى هذه الاتصالات. ووفقا لتلك الاوساط، فان اول المستفيدين من نجاح هذه الاتصالات وحصول تقارب سيكون لبنان، باعتباره الساحة الانسب والاسهل لاختبار نيات الطرفين.